Saturday 24th April,200411531العددالسبت 5 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الفكر العربي بين الواقع والطموح! الفكر العربي بين الواقع والطموح!
فاروق صالح باسلامة

يمر المجتمع العربي بمرحلة حرجة جداً، فلا واقعه مُرْضٍ لأفراده وجماعاته ولا طموحه موجود ونَشِطْ، يمكن تعلّق الرجاء به؛ حتى يحقق آماله، ويقوم بتفعيلها في سبيل النهوض بهذا الواقع، وذاك الطموح في حركة الحياة العامة. وإذا كان الواقع الفكري في هذا المجتمع مشهودا له بالرثاء لغلبة الكلام على الفعل، والمثالية على الواقع، والآلام على الآمال؛ فإن على المفكر العربي أن يقوم بمسح فعلي في ميدان مجتمعه ويسأل: لماذا تغلب السلبية على الحياة العربية العامة؟ ولماذا يظل الفرد من أفراد هذا المجتمع يدرك الحق ويسكت! ويعلم الصواب ويخطئ! ويعرف الحقيقة وينكرها! كل ذلك يشهد عليه الصمت العربي العام في قضايا الأمة الحاضرة مثل الذي يحدث في كل من العراق وفلسطين! أو قضايا الأمة الاجتماعية والإعلامية والعلمية والاقتصادية والثقافية التي تمس واقع الذات العربية، في حين يقوم العالم بتفعيل سياسات القوى العظمى من أجل استخدام العرب كأمة تملك الثروة، وهي مدينة، ولديها الاستراتيجية الجغرافية، وتحرس حدودها قوى أجنبية، ولديها الروحيات والمقدسات وعوامل كثيرة أخرى لها صلة بالقوة الذاتية من إيمانية وعلمية وثقافية واقتصادية وإنسانية عامة، وشعوبها مغلوب على أمرها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. إن الفكر العربي ذو واقع مرير ومؤلم؛ جداً، فلا ساسته أقوياء بصنع القرار -وأقرب مثل عليه اختلافهم على انعقاد القمة- ولا علماؤه قادرون على توجيه الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -على سبيل المثال- ولا شعوبه بحيوية يمكنها من تفعيل النشاط العملي في رحابه حتى ينعدم التسول والبطالة من على ساحتها الإنسانية والاجتماعية!! إن أمتنا تملك المقدرات بجميع الأنواع والصنوف، ولكن المردود سلبي! وتملك الإيمان ولكن بلا ورع، وتملك الأسباب ولكنها لم تعمل بهذه الأسباب ؛ وتملك الأموال ويوجد بين أفرادها البخل والتبذير والإسراف والسفه، فأيُّ واقع اجتماعي هذا؟ وأين طموحات الفكر وعوامل العلم والإيمان؟ التي نأملها من الجميع، والناس بين عجزٍ وفقر وتفلت وإذلال؟!! أو بين غفلةٍ وجهلٍ واندحار؟!! لقد آن للفكر العربي أن يفيق، وعلى قادته الأخذ بزمام المبادرة في عرض واقع الحال إلى أولي الأمر كي ما يتم إصلاح حقيقي وتصحيح واقعي، وينجلي الأمر عن حق، وينداح المسار الاجتماعي العام إلى حياة جديدة تخلو منها عقبات الحياة العملية والعلمية والمادية والاقتصادية والأدبية والدينية. لأن ثمة أجيالا صاعدة، فما أعددنا لمستقبلها، وهَيَّأنا لآمالها؟ وأين التمهيد لحياتها القادمة، التي يأمل آباؤهم وأولياء أمورهم أن تكون حياة كريمة، ودنيا هنية، وعملا فعالا وعلما نافعا، في مستقبلها وغدها!!.
إن أصعب مرحلة يمر بها الفكر العربي، لهي هذه المرحلة الحساسة التي إن لم يعالج واقعها، فلا أمل لأي طموح ممكن حدوثه، والحال الواقعة هكذا؟ وللأسف فإن أعلام الفكر العربي -حالياًّ- مشغولون بوسائل الإعلام التي تناشدهم لتحليل واقع ما يجري في فلسطين والعراق وأفغانستان عن طريق الفضائيات المرئية والمسموعة، وأخشى -وأنا أقول هذا- أن تثنيهم هذه الوسائل، عن مهمات رئيسة لمشكلات أساسية، عواملها لا تزال تنخر في الكيان العربي الاجتماعي العام!! وهي بحاجة لتفكير الأعلام المفكرين لمعالجتها وإيجاد الحلول العامة والخطوط العريضة لمعضلات هذا الكيان ومشكلاته الجسام!! فهناك القضايا الاجتماعية والفردية، وثمة قضايا التعليم والتربية، وأخرى مجال الفتيا والحكم، ومجالات العمل والعلم والصحافة، ومعضلات الحياة اليومية من نظم وقوانين ولوائح وكوادر إلى آخر ما هنالك من أمور كثيرة لا بد للمفكرين من أن يتعرضوا لها بإيجاد السبل والطرق الكفيلة بحلها، والمساعدة بتهيئة الظروف المالية والإدارية للنهوض بالمعاملات والملفات حتى تأخذ طريقها لأصحابها بالحل والتسوية والتقويم. إن ثمة مجالات واسعة لتفعيل الفكر العربي في حركتها والقيام بشيء إزاءها، وإلا استحالت مهمة أعلامه وإعلامه من حركةٍ إلى شلل ومن حل إلى تعقيد، ومن عمل إلى فشل -والعياذ بالله- فلا بد من درس الفكر العربي بين واقعه وطموحه، للأسباب السلبية الحاصلة في حياة المجتمع والناس والأمة، والانهزامية الذاتية في هذه الحياة بصفةٍ عامة، وما أدى إلى ذلك من عوامل وأسباب! وعلى الفكر العربي تحمل تبعات ما يحدث -لا على الساحة المادية والعملية فحسب- بل لابد له من لعب دورٍ أكثر فعالية في الساحات العلمية والأدبية والاجتماعية والسياسية والتربوية والاقتصادية، وتفعيل هذا الدور المهم جداً الآن أكثر من أي وقتٍ مضى على الأمة التي سئم أفرادها الرتابة والجمود الفكري والسلبية وواقعها الحالي، وما عساي أن أقول بعد قول الشاعر العربي:


ولو أن قومي أنطقتني رماحُهم
نطقتُ ولكن الرماحَ أجرَّتِ


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved