* الرياض - الجزبرة:
الأمن هو غاية الإنسان في كل العصور، وهو شرط لاستقرار المجتمعات وعمارها، تُسَنُّ من أجله القوانين والتشريعات والأنظمة، لكنه أبداً لم يتحقق بصورة كاملة إلا في كنف الشريعة الإسلامية التي قدمت النموذج الأروع لحماية النفوس والأموال والأعراض والحقوق، وقاومت الانحراف بكل أشكاله بحدود رادعة لا تعرف النسبية ولا تقبل التجاوز.
وحققت المملكة درجة عالية جداً من الأمن والأمان لمواطنيها والمقيمين بها فاقت نظيراتها في أكثر الدول تقدماً بفضل تطبيق شرع الله على الجميع دون تفرقة، إلا أن بعض الانحرافات لبعضهم ممن جهلوا تعاليم الإسلام ومبادئه ضاعفت من مسؤولية الحفاظ على الأمن وضرورة تكاتف الجهود لتحقيقه. لكن كيف يتحقق ذلك، وما مسؤولية كل فرد في حماية أمن البلاد؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه من خلال هذا التحقيق الذي نشرته مجلة (الإرهاب) الصادرة عن الإدارة العامة للعلاقات العامة والإعلام بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
******
بدايةً قال فضيلة الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام: إن من أهم الوسائل الموصلة إلى الراحة الأمنية من جوانبها كافة دون كلفة أو تجنيد وإعداد هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، فذلك عماد الدين الذين فضلت به أمة الإسلام على سائر الأمم، والذي يسد من خلاله خوخات كثيرة من مداخل الشر على العباد. فبالنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتكاتف الجهود، ويلم الشعث، ويرأب الصدع، وتتقى أسباب الهلاك، وتدفع البلايا عن البشر، وهو بذلك صمام أمان المجتمعات الإسلامية.
وأشار الشيخ الشريم إلى أنه في ظل الأمن والأمان تحلو العبادة والحياة، لأن الأمن والأمان هما عماد كل جهد تنموي، وهدف مرتقب لكل المجتمعات على اختلاف مشاربها، بل هو مطلب الشعوب كافة بلا استثناء، ويشتد الأمر بخاصة في المجتمعات المسلمة، التي إذا آمنت أمنت، وإذا أمنت نمت، فانبثق عنها أمن وإيمان ونماء، إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء بلا ضمانات واقعية ضد ما يعكر الصفو في أجواء الحياة اليومية.
لذا فإن المزايدة على الأمن والأمان في مجتمعات المسلمين بعامة مدعاة للسخرية والفوضى، خصوصاً عندما يأتي من قِبَل مَن أفرزوا للممارسات الشاذة والإخلال المرفوض بداهة، والمهدد لسفينة الأمان الماخرة، وكل مزايدة في اختلال الأمن والأمان إنما هي من نسيج الأعداء المتربصين بالإسلام.
ويضيف الشيخ الشريم أنه من أجل استتباب الأمن في المجتمعات جاءت الشريعة الغراء بالعقوبات الصارمة، وحفظت للأمة في قضاياها ما يتعلق بالحق العام والحق الخاص، بل إن من المُسلَّم في الشريعة قطع أبواب التهاون في تطبيقها أياً كان هذا التهاون، سواء كان في تنشيط الوسطاء في إلغائها، أو في الاستحياء من الوقوع في وصمة نقد المجتمعات المتحضرة، فحفظاً للأمن والأمان غضب النبي - صلى الله عليه وسلم- على مَن شفع في حد من حدود الله بعدما بلغ السلطان، وأكد على ذلك بقوله: (وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، وما ذاك إلا من باب سد الذريعة المفضية إلى التهاون بالحدود والتعزيرات، أو التقليل من شأنها. وحين يدب في الأمة داء التسلل الأمني فإن أفرادها بذلك يهيلون التراب على تراث المسلمين ويقطعون شرايين الحياة عن الأجيال الحاضرة، والآمال المرتقبة، وهم يخدمون بمثل هذا - عن وعي أو عن غباء- الغارة الاستعمارية على ديار المسلمين من خلال أعمال خرقاء تزيد السقم علة، والطين بلة، فيطاح بالمسلمين، وتوصد أبوابهم أمام الحياة الهانئة الآمنة.
وأضاف فضيلته: إن الأمن الفكري ينبغي أن يتوَّج بحفظ عنصرين عظيمين، ألا وهما عنصر الفكر التعليمي، وعنصر الأمن الإعلامي، إذ يجب على الأمة من خلال هذين العنصرين ألا تقع في مزالق الانحدار والتغريب التي هي بدورها تطمس هوية المسلم، وتفقده توازنه الأمني والاعتزاز بتمسكه بدينه. والأمن على العقول لا يقل أهمية عن أمن الأرواح والأموال، فكما أن للبيوت لصوصاً ومختلسين، وللأموال كذلك، فإن للعقول لصوصاً ومختلسين، بل إن لصوص العقول أشد خطراً وأنكى جرحاً من سائر اللصوص، فحماية التعليم بين المسلمين من أن يتسلل لواذاً عن هويته، وهذه الحماية تتحقق في إيجاد الآلية الفعالة في توفير سبل العلم النافع، الداعي إلى العمل الصالح، والبعد عن التبعية المقيتة، أو التقليل من شأن العلوم النافعة، أو التهوين من شأن علوم الدين أو استثقالها على النفوس؛ لما في ذلك من خطر، خصوصاً في عصر التحكم المعرفي والاتصالات العلمية والثقافية التي غلبت على أدوار الأسر والبيئات التي تنشد الصلاح العام.
من جانبه أكد فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن حمين الحمين أن الأمن ركيزة من ركائز الحياة المستقرة، وأساس لحياة الشعوب والأمم، فلا استقرار للإنسان بلا أمن وطمأنينة، فالإنسان إذا أمن من الخوف استطاع أن يبني وأن يعمر وأن يعمل، واستطاع أيضاً أن يعبد الله ويطلب العلم، ويفعل الخير وينشر المعروف.. إذ بالأمن يستشعر طعم الحياة، ويرى الحياة على حقيقتها، وأنه لا طيب للعيش إذا ما خالجه شيء من الخوف. فالإنسان في خوفه يكون في صحوه قلقاً هليعاً، وفي منامه كالجسم تمزقه الأحلام المرعبة.. ولا يستشعر نعمة الأمن إلا مَنْ جرَّب لحظة خوف، وتجرع مرارة مغادرة منزله أو بلاده بحثاً عن الأمان، مرخصاً كل غال، ومضحياً بكل نفيس من حطام الدنيا، من أجل لحظة أمان يجدها في مكان آخر، وإذا ما وجدها بقيت عينه حزينة وقلبه جريحاً.
وأضاف فضيلة الشيخ الحمين: وقد أنعم الله على بلادنا المباركة بالأمن والاستقرار، فأقل نسبة للجرائم تُسجَّل تكون في بلادنا، كذلك أقل نسبة الكوارث، وما ذلك إلا بسبب الإيمان بالله حقاً، وتحكيم شرعه، والحكم بكتابه، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والعدل بين الرعية، وذلك في إطار شمولية مفهوم الأمن في الإسلام، وهذا المفهوم يشمل كل متطلبات حياة الإنسان. وهو عام لكل فرد، مسلماً أم غير مسلم، ما لم يكن محارباً، كما أن الأمن في الإسلام يشمل أمن المجتمع من اعتداءات الأفراد، وأمن الأفراد من تعدي الجماعة، وتحقيق الأمن للأسرة كونها نواة المجتمع، كما ينظم أسس تحقيق الأمن للمجتمع داخلياً وخارجياً، بل يجعل أمن المجتمع مقدَّماً على مصلحة الفرد إن استلزم الأمر ذلك.. فعلى مستوى الفرد، عني الإسلام بتحقيق الأمن له عن طريق توثيق صلته بالله عز وجل، وغرس الإيمان في قلبه، فإذا وثَّق الإنسان صلته بربه أتمَّ التوثيق وأفضله، وحرص على زيادة إيمانه وتقويته بسائر أنواع الطاعات والقربات، تحقق له الأمن والطمأنينة بإذن الله تعالى، وبعد عنه شبح الخوف من كل ما يمكن أن يخاف منه، كما قال الله تعالى: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، وكما قال جل وعلا: {مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}. واهتم الإسلام أيضاً بالفرد المسلم بإصلاحه وتربيته منذ ولادته التربية الصحيحة التي تقيه من الانحراف، بل جعل تعليم الفرد من أسمى المجالات التي يسلكها طالبو الأجر من الله والطامعون في ثوابه، وقد حث الإسلام على إصلاح النظم التي تجعل المناخ الإسلامي الذي يعيش فيه الفرد نقياً خالياً من بذور الجريمة وجراثيمها، وحدد عقوبات رادعة لمَن يخرج عن هذا النظام، أو يحاول الإخلال بالأمن، لتكون زاجرة لمَن تسوِّل له نفسه تعكير صفو الأمن.
وأشار فضيلة الشيخ الحمين إلى أن مفهوم الأمن في الإسلام يحيط بكل ما يخاف الإنسان عليه ويحرص على تأمينه في يومه وغده ومستقبله وكل جوانب حياته، ويقدم منهجاً متكاملاً فريداً لكل ما يهم الإنسان ويحرص على تأمينه؛ كالضرورات الخمس، وهي: الدين والنفس والعرض والعقل والمال. وقرر عقوبات رادعة لم يتعرض لها أو يمسها بسوء، كما عني الإسلام بأمن الأسرة، وهي اللبنة الأولى في بناء المجتمعات، لذا نظم العلاقة الأسرية بصورة تكفل الأمن والاستقرار لكل أفرادها بصورة فريدة، وهذا التنظيم الفريد للأسرة يتمثل في تحديد الطريق السليم لتكوينها، والأسس التي تقوم عليها العلاقة بين الزوجين، وبين الأبوين وأبنائهما، وكذلك تنظيم الميراث بصورة تمنع الخلافات بين أفراد الأسرة الواحدة أو الأسرة وبقية الورثة، وهذا التنظيم الدقيق والمحكم للأسرة وللحقوق والواجبات المتبادلة بين أفرادها، والروابط التي تربطهم يوفر للأسرة جواً من الأمن والطمأنينة والاستقرار ينعكس على أمن المجتمع بشكل عام.
|