* لقاء - محمد غشام:
الحديث لا يفتر عن حجم وعمق الخسائر البشرية والمادية الناجمة عن حوادث المرور، وعن أسبابها الرئيسية التي باتت معروفة للجميع، رغم أنها لم تكن سبباً وجيها لدى الكثير من الشباب لتجنبها من أجل سلامتهم وسلامة الآخرين، ولم تكن هذه الفواجع رادعاً لهم وواعظاً يكفيهم لتجنب الوقوع فيما وقع فيه مَن سبقهم من الموت أو الإعاقة.. في هذا اللقاء نسلط بعض الضوء على صور من المآسي المرورية وما تتطلبه من جهود كبرى في مجال طب الطوارئ والإسعاف يبينها للقارئ الدكتور المتخصص في هذا المجال صالح التميمي المدير الطبي لقسم طب الطوارئ في مستشفى الملك خالد الجامعي.
******
حجم المشكلة
* ما هو حجم مشكلة حوادث المرور في نظرك؟
- مشكلة اعمق بكثير مما يتوقع بعضنا فقد وصفتها إحدى الصحف بأنها مشكلة أسوأ من الحروب والزلازل وذكرت مجلة الصحة العامة في عددها 114 بتاريخ يناير 2000 وحسب تقرير وزارة الصحة أن 81% من الوفيات في مستشفيات وزارة الصحة و20% ممن يرقدون في أسرتها هم من ضحايا الحوادث وأنه خلال الفترة 1997 - 1998م قتل وأصيب حوالي 564762 في حوادث السيارات وأن في كل ساعة أربعة يصابون وواحد يقتل في حوادث السيارات وفي مدينة الرياض خلال عام واحد 1999 وحسب تقرير أ. س الغامدي في دراسة نشرت في مارس 2002م فإن 450 قتلوا في حوادث السيارات من بينهم 130 حالة دهس.
وفي رأيي أن عمق المشكلة نتيجة سببين رئيسيين هما:
- عدم الالتزام بأنظمة المرور: هذه ظاهرة نراها كل يوم وقد أصابت كل فئات المجتمع وخاصة الشباب وهم يظهرون اللا مبالاة والتهور علنا دون حياء فمع أن هناك أنظمة مرورية صارمة اتجاه مثل هذه التصرفات إلا أننا ومع الأسف نرى المخالفات وقد غلبت على طابع الشارع في المملكة وهذا يعني أنه لابد من العمل على تطبيق هذه الأنظمة بشكل أكبر.
- ندرة الكفاءات الوطنية المدربة في طب الطوارئ: اشعر بالقلق لندرة طبيب الطوارئ المؤهل فإن النتيجة النهائية لأي إصابة مرورية تعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية هي: نوع ودرجة الإصابة والرعاية الطبية ما قبل المستشفى والرعاية الطبية في قسم الطوارئ. إن رفع مستوى الوعي المروري والالتزام بالنظام يخفف نوع ودرجة الإصابة أما توفير المسعف والطبيب والممرض المدرب والإمكانيات الطبية اللازمة فتعمل على التعامل الصحيح مع الإصابة ومنع المضاعفات.
نشرت دراسة في مجلة علمية بتاريخ يوليو 2002 انه في عام 1999 أخذت 874 مكالمة وردت لجمعية الهلال الأحمر كعينة للدراسة ووجدت أن وقت الاستجابة لموقع الحادث 10.23 دقيقة أما الوقت اللازم لوصول المصاب إلى المستشفى فكان 35.84 دقيقة. أعتقد أن هذه الأرقام قد ازدادت في الأعوام الأخيرة نتيجة ازدياد الازدحام المروري الذي تشهده المدن الكبيرة في المملكة وخاصة مدينة الرياض.
لابد لي أن أوضح أن هناك ما يسمى الساعة الذهبية وهي الساعة الأولى بعد حدوث الحادث وهي أهم ساعة فإعطاء الإسعافات الأولية الرعاية الطبية اللازمة في الساعة الأولى يحد من مضاعفات الإصابة بشكل كبير.
طب الطوارئ
* ما الأسباب وراء ندرة طبيب الطوارئ؟ وكم عدد الأطباء السعوديين المدربين في مجال طب الطوارئ؟
- هناك عدة أسباب وراء عزوف الأطباء عن التخصص في طب الطوارئ، منها:
- طبيعة العمل: فهو عمل شاق يتطلب وجود الطبيب في قسم الطوارئ بشكل دائم أثناء العمل (8 ساعات) سواء أكان طبيباً مقيما في أول الطريق أو استشاريا وفيه يتعرض الطبيب للخطر فهو أول من يستقبل الحالات المرضية قبل تشخيصها وبعضها يكون معديا وكذلك احتمال تعرض الطبيب لدم المريض في إصابات الحوادث مثلاً، أضف إلى ذلك أن طبيعة عمل طبيب الطوارئ تتطلب التعامل مع أعداد كبيرة من المرضى والمرافقين وما يصاحب ذلك من صعوبة في التعامل مع الجمهور والتعامل مع المرضى النفسيين.
- انعدام المزايا الوظيفية التي تتناسب مع طبيعة عمل طبيب الطوارئ وتجنب الكفاءات الوطنية وخريجي كليات الطب لهذا التخصص وكثيرا ما يرد هذا في نقاشي مع أطباء الامتياز (وهي السنة التي تسبق اختيار التخصص وممارسة العمل) في محاولة مني لدعوتهم إلى طب الطوارئ فكثير منهم يفضل عملاً أكثر هدوءا في العيادة أو جناح التنويم في ظل انعدام المزايا الوظيفية المغرية.
أما بالنسبة لعدد الأطباء السعوديين المدربين في تخصص طب الطوارئ فهو لا يزيد على 25 طبيبا في المملة ففي تقرير لسعادة الدكتور فهد العريفي نائب رئيس قسم الطوارئ ونائب المدير التنفيذي لشؤون التعاون المشترك وتنمية المشاريع بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض ذكر فيه أنه بناء على إحصائية الهيئة العليا لتطوير الرياض فإن سكان المملكة سيبلغ 40 مليونا بحلول عام 1440هـ وإذا قمنا بعمل دراسة ربط الزيادة السكانية خلال 20 سنة القادمة بالخدمات الصحية وأخذنا على سبيل المثال الخدمات الطبية الإسعافية لدى الطوارئ في كافة أقسام المملكة يظهر لنا جلياً الحاجة الماسة لأطباء الطوارئ؛ فحسب إحصائيات وزارة الصحة فإن كل مواطن يقوم بمراجعة المستشفى خمس مرات في السنة وأن 20% من هذه الزيارات تتم على أقسام الطوارئ فإن معدل المرضى الذين سيتم الكشف عنهم عام 1440هـ سيبلغ 125 ألف مريض يوميا وحيث إن المعدل الدولي لإنتاجية طبيب الطوارئ هو الكشف على 2.5 مريض كل ساعة لذا فإن هذا العدد يحتاج إلى 6250 طبيب طوارئ يعمل يوميا وحيث إن أطباء الطوارئ يعملون بمعدل 15 يوما في الشهر فإن الحاجة لأطباء متخصصين في الطوارئ لعام 1440 يبلغ 12500 طبيب.
أحوال طوارئ (الجامعي)
* ما هو الحال في قسم الطوارئ في مستشفى الملك خالد الجامعي؟
- يعاني من نقص شديد في عدد الأطباء المدربين في طب الطوارئ مع الأسف أنا الاستشاري السعودي الوحيد المدرب في طب الطوارئ في مستشفى الملك خالد الجامعي، إلا أننا سنكون في حال أفضل في المستقبل القريب حيث نتطلع إلى عودة ستة أطباء سعوديين خلال السنتين القادمتين بعد انتهاء تدريبهم في طب الطوارئ في كندا ونحاول جاهدين جلب المزيد من الأطباء لهذا التخصص. المهم إلا أننا نجد صعوبة كبيرة في ذلك حيث إن المزايا العادية المقدمة لطبيب الطوارئ بمستشفى الملك خالد الجامعي أقل نحو 50% مما يقدم في الكثير من المستشفيات الأخرى مثل مستشفى الملك فيصل التخصصي ومستشفى الملك فهد للحرس الوطني ومستشفى القوات المسلحة ومستشفى قوى الأمن.
* هل هناك أي خطة لتطوير قسم الطوارئ بمستشفى الملك خالد الجامعي؟
- نعم نحن سعداء حيث نتج عن العمل الدؤوب من القائمين على المستشفى الموافقة على مشروع توسعتهم لقسم الطوارئ ليكون بسعة 70 سريرا وهذه التوسعة تتناسب مع الأعداد المتزايدة من زوار قسم الطوارئ والتي تصل إلى 120000 زيارة للعام الماضي وبزيادة سنوية تقدر بنحو 7% ونحن في قسم الطوارئ في مستشفى الملك خالد الجامعي نتطلع للقيام بدور رئيس في علاج الحالات الطارئة في منطقة شمال وغرب الرياض إلا أننا نواجه تحديات كبيرة من أهمها الصعوبة في استقطاب الكفاءات الطبية واجتذاب خريجي كلية الطب نتيجة المزايا الوظيفية المتدنية التي يحصل عليها طبيب الطوارئ السعودي في مستشفى الملك خالد الجامعي في الوقت ذاته نشعر بمسؤولية كبيرة فموقع مستشفى الملك خالد الجامعي هو موقع حساس جداً فهو لا يبعد سوى 1.5 كم عن حي السفارات وهو الأقرب للديوان الملكي ويقع قرب الحرم الجامعي بالإضافة إلى موقعه المتميز على خط الدائري الغربي الذي يربطه مباشرة بالدائري الشمالي وطريق صلبوخ وطريق القصيم من الشمال وطريق مكة غربا.
* ما هي مقترحاتكم لتطوير طب الطوارئ في المملكة؟
- وضع خطة وطنية لجذب الشباب السعوديين للتخصص في مجالات طب الطوارئ وتحسين المزايا الوظيفية لتتناسب مع طبيعة العمل، وتوفير الفرص التدريبية في أفضل المراكز العالمية، وتطوير أقسام الطوارئ لتلبية احتياجات المجتمع، وإعطاء الدعم اللازم للقائمين على جمعيات الهلال الأحمر لتطوير الخدمات الإسعافية، وتدريب الكوادر الوطنية، وإقرار الإسعاف الطائر وهذا مطبق منذ فترة طويلة في كثير من الدول، ودعم البحث العلمي في مجال طب الطوارئ.
مع المصابين والمسعفين
التقينا بعد ذلك بعدد من مصابي الحوادث الذين يرقدون على الأسرة بالمستشفى وأجمعوا على أن سبب الحوادث يرجع في المقام الأول إلى السرعة الزائدة وعدم تقيد السائق بالتعليمات المرورية رغم التحذيرات الصارمة من الإدارة العامة للمرور.
أيضاً التقينا بعدد من المسعفين السعوديين الذين يعملون في مستشفى الملك خالد الجامعي الذين نفتخر بهم وكان معهم هذا اللقاء:
أولاً التقينا الشاب محمد سعد الزهراني فقال: أنا مسعف فني طوارئ وقد خدمت 8 سنوات وأحمل ثانوية عامة ودورة إسعاف والحمد لله إن دور المسعف عمل إنساني ووجدنا فيه رضا لخدمة المواطن والمقيم. ثم التقينا الشاب أحمد الشمري مسعف فني طوارئ فقال: إنني فخور جداً بعملي كمسعف لما أقدمه من خدمات للمصابين وقبل كل شيء هذا عمل إنساني يفتخر به كل شاب سعودي.
وقفات المحرر:
* يشهد قسم الطوارئ ازدحاماً شديداً وبالذات الفترة المسائية.
* تذمر عدد من المرضى لطول بقائهم في تنويم الطوارئ قبل نقلهم إلى التنويم العام.
* بذلت الأستاذة تهاني معوض سكرتيرة مدير قسم الطوارئ مجهوداً كبيراً في مساعدتنا لهذا التحقيق.
* أثنى عدد من المرضى على الخدمات المقدمة من الأطباء والعاملين في قسم الطوارئ وحسن تعاملهم مع الحالات
|