* الرياض - أحمد القرني:
تعد خطبة الجمعة من المنابر المهمة في توعية الناس وتبصيرهم بأمور دينهم ودنياهم، سيما في ظل الأحداث الراهنة التي تتطلب من الجميع التكاتف والتعاون لمواجهتها، ماذا يتوجب على خطيب الجمعة في توعية المجتمع لتحقيق الوسطية والاعتدال في السلوك والمنهج؟ سؤال طرحناه على عدد من الخطباء وأئمة المساجد، الاجابات جاءت متباينة وحملت في طياتها العديد من المعاني.وأبان الخطباء والأئمة في استطلاع اجرته مجلة (الإرهاب) الصادرة عن الإدارة العامة للعلاقات العامة والإعلام بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد أهمية خطبة الجمعة في حياة المسلمين ومدى مسؤوليتها في تغيير السلوك وتصحيح المفاهيم، وهداية الخلق، حيث طالبوا الخطيب أن يكون عالماً بما يدعو إليه، مستحضراً ادلته من الكتاب والسنة وأقوال العلماء، كذلك حسن اختيار الموضوع وارتباطه بالقضايا الاجتماعية والتربوية التي تهم الإنسان. بداية تحدث د. فالح بن محمد الصغير إمام وخطيب جامعة الهريش بحي الملز بالرياض قائلاً: لا شك أن خطبة الجمعة من أهم مصادر التلقي لدى عامة المسلمين، فالخطيب مبلِّغ عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو معلم وواعظ ومرب. فمن أهم الواجبات الأساس على الخطيب وعيه بمهمته، ومعرفته بوظيفته، وتقديره لمكانته، واستشعاره لأهمية هذا المنبر الذي يبلغ من خلاله الناس ويبصرهم بأمور عقيدتهم، وما يضادها، وتبين ما يجب عليهم من أحكام الحلال والحرام، والسلوك والأخلاق، وما يجب عليهم تجاه دينهم، وما ينبغي عليهم تجاه الأزمات والمواقف والنوازل التي تمر بالمجتمع.ومن جانبه أوضح د. صالح بن محمد الونيان إمام وخطيب جامع حي الخليج ببريدة أن خطيب الجمعة ائتمنه الشارع على هذه الوسيلة من وسائل للإعلام بدين الله عز وجل، فهو يؤدي عبادة جليلة، ويقوم بالتبليغ عن الله عز وجل، فحق عليه ان يلتمس ما شرعه الله في هذه الخطبة، وما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ ليس له أن يتصرف فيما بما يهواه أو يشتهيه حتى يوافق الكتاب والسنة، مبيناً أن علماء الإسلام اجتهدوا بتبصير الخطيب بأحكام الخطبة، وأول من جمع ذلك في كتاب هو علاء الدين بن العطار المتوفى سنة 724هـ في كتابه (أدب الخطيب).
وأضاف د. الونيان أن المتتبع للسنة من الخطباء لا يسعه سوى الاهتداء بهدي محمد صلى الله عليه وسلم، حتى يؤدي ما عليه من تعليم الناس وتذكيرهم فيحرجون من صلاة الجمعة وقد امتلأت قلوبهم من محبة الله والشوق إليه، والعمل بما يرضيه والابتعاد عما يسخطه، فيكون الخطيب شريكاً في أجره لدلالته عليه. ومن أبرز ما يتعين على الخطيب إبرازه في وقتنا هذا: تذكير الناس بوسطية هذا الدين الحنيف، وسهولته ويسره، حتى تتضح محاسن دين الإسلام، ويزداد المسلمون ثباتاً عليه، مشيراً إلى أن زمننا هذا قد طفح بانتقادات الغربيين ونحوهم لدين الحق الإسلام، وقد وجدوا في أفعال بعض أهل الإسلام المخالفة له ما يبررون به انتقاداتهم، فصدوا الناس عن سبيل الله تعالى، فهذه المشكلة المؤلمة لا يدفعها ويخفف إفسادها الا وسائل الإعلام عند المسلمين، ومنها خطبة الجمعة، فإنها بحق أعظم وسائل الإعلام، لان المصلين قد تهيئوا لسماع الموعظة واقبلوا عليها، فتأثير الخطبة فيهم ابلغ من غيرها.
ويوضح الشيخ عبدالله بن محمد بن غميجان إمام وخطيب مسجد عائشة بالرياض أن خطبة الجمعة من أهم مظاهر الحياة الإسلامية، ومما يتميز به المسلمون، وهي مسؤولية ذات خطر عظيم وأثر بالغ في تغيير السلوك، وتصحيح المفاهيم، وتثقيف الفهوم، وإقامة الحجة، وبيان الحق، وهداية الخلق.موضحاً أن الوسطية والاعتدال خلقان محمودان، وهما من سمات أمة الإسلام والسلف من الصحابة والتابعين والائمة المهديين هم أهل المنهج الوسط، لانهم اعرف الناس بالحق، وارحمهم بالخلق.وقال الشيخ غميجان: ان الخطيب هو طالب العلم وداعية وناصح، ومعنيّ قبل غيره بلزوم جادة الوسط، ورعاية منهج السلف في الدعوة، والنصيحة، والإرشاد، والأمر والنهي، والحكم، والصلة، والهجر، ولعل ما يعين على تحقيق ذلك، الإخلاص لله سبحانه في خطبته.. وشأنه كله، فإنه ما كان لله يبقى ويؤثر ويبارك فيه، وهذا يستلزم دوام الصلة بالله جل وعلا، وسؤاله التوفيق في خطبته، والسداد في رأيه، وحسن القبول لقوله، فليستعن بالعبادة قولاً وعملاً وفكراً وتأملاً، ولنضع هذا في دائرة اهتمامنا، وكذلك صدق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله وتعامله وأخلاقه، وهذا يقتضي أن يكون الخطيب عالماً بما يدعو إليه، مستحضراً أدلته من الكتاب والسنة وأقوال العلماء من السلف والخلف، ومن جانبه يؤكد فضيلة الشيخ عبدالله بن صالح القصير إمام وخطيب جامع الأمير فيصل بن محمد بن تركي بالمغرزات أن موضوع خطبة الجمعة هو ذكر الله تعالى، والتذكير بنعمه وحقه ولقائه وثوابه والخطيب الناجح هو الذي يراعي المناسبة، وحال الجمهور، وأسلوب الخطاب فيضمن عموم خطبه: الوصية بالتقوى، وترسيخ الإيمان، والتذكير بشكر النعم، والتحذير من أسباب العقوبات والنقم، ويبصر بالأحكام، ويذكر محاسن الإسلام، ويحث على صالح العمل قبل مفاجأة الأجل، ويحض على التمسك بالسنة ويحذر من البدعة والفتنة، ويوصي بالاجتماع، والاتفاق، وينبه على شؤم الاختلاف والشقاق، ويأمر بإعطاء كل ذي حق حقه، وينهي عن الظلم والبغي.
ومن ناحيته قال د. عبدالرحمن بن معلا اللويحق الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الإمام وإمام وخطيب جامع الراجحي بحي الملك فهد بالرياض: خطبة الجمعة من أعظم سبل الإصلاح في الأمة، فمن طريقها يمكن أن يصلح حال فئام من الناس، إذ الشارع الحكيم لا يشرع امرا الا لحكم وغايات، ومقاصد وأهداف، بيد أن العباد ببعدهم عن الالتزام يفوتون على أنفسهم تحقيق تلك المصالح.
|