إن مبادرة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى عقد المؤتمر الدولي عن موقف الإسلام من الإرهاب خلال الفترة 1-3-3-1425هـ وذلك بمشاركة عدد من العلماء والمفكرين والباحثين من داخل المملكة وخارجها، لتحض على المشاركة والتطلع إلى النجاح المأمول من هذا المؤتمر الدولي الذي يعنى بإظهار الصورة الحقيقية للإسلام وسماحته الفريدة في التعامل مع غير المسلمين، وقد حرصتُ من خلال هذه المشاركة أن أتناول أحد محاور هذا المؤتمر وهو: (وسطية الإسلام وسماحته ودعوته للحوار) مبتدئاً بقوله تعالى:{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
هذه الصورة واضحة وجلية لتعامل الدين الإسلامي مع غير المسلمين الذين لا ينهى الله عن برهم وإقامة القسط عند التعامل معهم، فهم فئة تقيم في بلاد الإسلام نظراً للعلاقات التي تربطنا بهم سواء علاقات دبلوماسية من سفارات أو منظمات دولية, أو بموجب عقود عمل أو زيارة، وهم أهل عهد، وضمان أن يعيشوا في حماية الإسلام بطمأنينة وأمان، وقد أحكمت الآية الكريمة دستور العلاقة مع تلك الفئة، حيث خصها الله بتشريع خاص، ومن ذلك أيضاً قوله تعالى:{وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.. فدستور الإسلام ينهي عن مجادلتهم في دينهم إلاّ بالحسنى وقول الحق، ولم يدعو مطلقاً لمجابهتهم والنيل منهم لكونهم يقيمون في ضمان لا سوء يلحقهم ولا ضيم، فلهم الحق في الحماية من كل عدوان خارجي وأي جور داخلي.
فوسطية الإسلام قد كفلت لغير المسلمين حقوقاً جمة، ومنها حق حماية الدماء والأبدان من الاعتداء الداخلي والخارجي تصديقاً لقوله صلى الله عليه وسلم:(من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً) رواه البخاري وأحمد.
وتذكر كتب السيرة الشواهد على القصاص من المسلم الذي اعتدى على دم أو بدن معاهد, وهذه الصور المشرقة في سماحة الدين الإسلامي وحرصه على حقوق تلك الفئة لهي رد بليغ على كل من يشكك في مصداقية هذا الدين أو مصداقية هذه البلاد التي اتخذت من ذلك الدين نبراساً لقيَّمها وأصولها سواء في سياستها الخارجية من حيث علاقتها الدولية أو نشاطاتها الخارجية في عمليات السلام وإغاثة المنكوبين ونحوه، أو في سياستها الداخلية والحفاظ على لحمة وطنية بمنهج لا غرو فيه، منهج يكفل للمسلمين وغير المسلمين ضوابط شرعية سمحة دون تمايز أو تفريق بينهم.
كما كفلت الشريعة الإسلامية حماية أموال غير المسلمين وعدم المساس بها، حتى إنه قد بلغ من رعاية الإسلام لأموالهم وحرمة ممتلكاتهم أن يحترم ما يحسبه دينهم مالاً والإسلام لا يعده كذلك، وحماية الأعراض لم يهملها الإسلام لغير المسلمين، فالذمة القائمة تستوجب كف الأذى عن ذوي العهد وتجنيبهم الكلمة السيئة والغيبة الجارجة، وهذا ما ذهب إليه الكثير من الفقهاء عملاً بمفهوم الذمة والضمان لتلك الفئة.
ولعلنا نطلع على مبدأ التضامن الاجتماعي الذي أقرَّه الإسلام لغير المسلمين عندما أمن للعاجز منهم ما يكفيه وعياله من بيت مال المسلمين وإعطائه الصدقات والقوت، فقد تولت الدولة في العصور الإسلامية إطعام تلك الفئة وتأمين مؤنهم دون توقف.
وبذلك الموجز عن الضمانات الإسلامية المكفولة لغير المسلمين لنا أن نلمس وبحق الأرض الواسعة المبسوطة أمام الحوار الذي يمكن خلقه من تلك التعاليم مع غير المسلمين، ذلك الحوار الذي من شأنه تعزيز روابط العلاقات على أساس البر والقسط، وعلى أساس المسؤولية التضامنية في الشريعة الغراء التي يقع تنفيذها على عاتق المجتمع المسلم وتطبيق أحكامها بما في ذلك ما يتعلق بغير المسلمين.
ولا ريب أن المملكة العربية السعودية سعت حثيثاً في سياستها التعليمية إلى بثّ مفاهيم السلام والسماحة في مناهجها التربوية والمعرفية، والتأكيد على المعاملة الحسنة والموعظة الفاضلة، هادفة بذلك نشر ثقافة المحبة والوئام، إما في مستوى التعليم العام، أو في مؤسسات التعليم العالي، وخير شاهد على ذلك هذا التجمع التوعوي الكبير الذي تستضيفه جامعة الامام متمثلة بكل أصول القيَّم الخيِّرة في التعامل بالحكمة والأناة المحمودة مع غير المسلمين.
وإن هذا المنبر الجامعي المتخصص في الثقافة الإسلامية، عندما يدعو إلى هذا الحوار السلمي ليؤكد مدى تمسكه بمفهوم السماحة الإسلامية وعدالة الإسلام ووسطيته، ولتؤكد الجامعة دورها الفاعل في نشر المفاهيم الإسلامية السمحة بالأسس الصحية دون غلو أو جور كما شيع عنها، فهي اليوم تجدد سنّة منهجها الذي هو قوله تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء}.. فدعت الجامعة كل التيارات الدينية والأطياف السياسية والثقافية إلى رحابها لتثري الحديث وتشيع روح الحوار حول موقف الإسلام من الإرهاب والفساد في الأرض، ويحدوها في هذا المؤتمر الحواري قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، حيث تظهر الجامعة بهذا المؤتمر إيمانها الحقيقي بقيمة المعرفة في جميع نواحي الحياة التي تشمل المسلمين مع غيرهم بالاحترام المتبادل واكتساب المنافع الخيرة فيما بينهم.
|