Saturday 24th April,200411531العددالسبت 5 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حوار حول الانفجار الأخير.. حوار حول الانفجار الأخير..
عبدالعزيز السماري

لا يزال صدى التفجير الأول في شرق الرياض يتردد في ذاكرتي، وما زلت أشعر باهتزاز النوافذ والجدران في المنزل عندما تسكن حركة النهار، أو تنطفئ الأنوار في آخر الليل، ويتردد دوي أصواتها المخيف في سمعي عندما أشاهد في نشرات الأخبار مشاهد الانفجارات في بغداد والفالوجة والبصرة والكوفة وغزة والضفة... وبالأمس القريب، وعلى الرغم من تواجدي خارج الرياض إلا أنني شعرت بتلك الحركة عندما وصلت أنباء الخبر الحزين، وعندما علمت أن أرواح أبرياء أزهقت لأسباب غير مفهومة..
بعد انتهاء ساعة الانفجار، وتوقف حركة الجدران والنوافذ بلحظات، بدأت رحلة البحث عما جرى، وأين وقع الحادث الأليم ؟، وهل هو بقرب المنزل، أم هو في الحي أو المجمع السكني القريب، وماذا عن عدد المصابين، وكم من بريء أخذته نيران الانفجار إلى العالم الآخر، وماذا يريد هؤلاء، ولماذا يزفون الانتحاري قبل وفاته إلى الجنة، أليست الجنة للمتقين !، وأليس من التقوى حرمة قتل النفس التي حرم الله.. أسئلة تتناثر أمام ناظري سواء كنت ساعة الانفجار في المنزل أم خارجه، لكن في نهاية الأمر، أظل قادراً على التحكم في كيفية السؤال - فأنا المسيطر في بعض الأحيان على ما يجول في خاطري، فساعة أطرد بسلام تلك الأسئلة الكثيرة، وفي ساعة أخرى (أطنش) عودة بعض الأسئلة إلى الدق بعنف بحثاً عن إجابة مقنعة، وأهرب لأنني بصراحة لا أملك إجابة عنها !
.. ولكن أحياناً قد تُطرح الأسئلة في أجواء لا أملك القدرة على التحكم فيها، ففي خضم هذه الانفعالات، ورحلة التنقل بين القنوات، والهروب من بين علامات الاستفهام التي تطاردني في كل مكان، يأتيني من الخلف صوت يسأل بهدوء، وبمنتهى الشفافية والبراءة:
* ما هذا الصوت يا أبي ؟
... إنه صوت انفجار يا عزيزتي،.. انفجار حدث في مبنى في مدينة الرياض .. يسكت ذلك الصوت للحظات، ثم يأتي بسؤال آخر..
* هل مات (ناس) في الانفجار..؟
عدة أشخاص فارقوا الحياة يا ابنتي بسبب ماحدث..
* حسناً من الذي سبب الانفجار؟
.. رجل... مواطن يا صغيرتي قاد سيارة محملة بالمتفجرات إلى داخل المبنى ثم فجرّ نفسه، وقتل إخوة له، مواطنين !
* ولكن شيء مثل هذا الصوت حدث من قبل، وسمعنا صوت انفجاره في المنزل، فهل هو نفس الفاعل.
... هذا صحيح، هم نفس المجموعة!
* لكن لماذا يفجرون الأبنية والمجمعات، ولماذا يقتل الرجل المسلم نفسه ليقتل مواطنين ووافدين أبرياء؟
..... شعرت برغبة ملحة في التنفس بعمق، وأخذ شهيق وزفير،.. ولكنني كعادتي عند مواجهة مثل هذه الأسئلة، قررت للحظات أن أختصر الجواب، وأهرب مرة أخرى، لكن هذه المرة خارج ذاتي .. اسمعي جيداً أنا لا أملك إجابة لهذا السؤال !! ..
* سؤالي الأخير يا أبي رحمك الله.. أليست هذه العملية الانتحارية التي حدثت في قلب الرياض، وفي أحيائها صورة طبق الأصل للعمليات الاستشهادية في غزة والضفة..؟
.. لم أتمالك صراحة السؤال وشدة وضوحه المؤلم، ربما لأنني أنتمي إلى جيل يخاف من كثرة السؤال، ويحذر من الكلام في الشبهات، ويلتزم بمبادئ العقل الجمعي الصارم.. فلم أجد إلا أن احذرها من الحديث في الشبهات، وترك هذا الأمر لأهل العلم الشرعي، ولمن يقف وراء هؤلاء، لعلهم يجدون إجابة شافية لسؤالك الملتهب.. ولم يفتني أن أنبهها إلى حقيقة أن هناك أسئلة كثيرة، تظل بلا أجوبة..
ثم خرجت مسرعاً، وأنا أتمتم ببقية الأسئلة التي كانت تطاردني بدق أجراسها الشديد في ذاكرتي منذ الانفجار الأول... لماذا يتعامل منْ هم وراء هذا الحدث الشنيع، مع المجتمع العربي المسلم مثلما يتعامل أهل فلسطين مع الغزاة والمحتلين، فهل أصبحنا نحن أبناء هذه الأرض محتلين لأراضينا، وغزاة لأوطاننا، وعلينا الرحيل منها..... و( لماذا يريدون بموتهم قتل الحياة والناس والأمن في المجتمع ؟).. ومن المستفيد من انتحار هؤلاء الشباب، وهل هناك بالفعل عقول (ذكية)، تملك القدرة على تحريك الشباب، والضغط على (الريموت كونترول) كلما شعر المجتمع بالأمن والاستقرار !!
لقد دافع دعاة الإسلام ومثقفوه عن شرعية اتخاذ سلاح الاستشهاد وسيلة للمقاومة ضد المحتلين الصهاينة في فلسطين، ونظمت القصائد في (آيات الأخرس) وغيرها من الاستشهاديين في العراق وفلسطين، وقد كانت مواقف نابعة من الإيمان بفريضة الجهاد، وبعدالة قضية الشعب الفلسطيني والعراقي، لكن بضاعتنا ردت إلينا، وبأساليب مرعبة إلى مجتمعنا الآمن، وتلك ورب البيت قضية في غاية الخطورة، ومن الصعب على أي كان أن يفصل فيها.. ما يحدث الآن هو عدمية وموت بطيء في مستنقع العبثية،..
وهم بهذا وضعوا ثقافة المقاومة في البلاد المحتلة في موقف وهن، عندما ردوا أحد أهم أسلحته إلى صدور وطنهم، فهذا الفكر الذي يشرّع ويبرر تفجير ذويه وأهله ومجتمعه، إرهابي وخارج عن الشريعة، والنتيجة المتوقعة لهذه المعادلة العجيبة، ستنتهي بانتصار المعتدين والمحتلين لأراضي فلسطين والعراق.. وسنخسر مصداقية قضايانا في المجتمع الدولي، وربما يأتي اليوم الذي يقف فيه المجتمع والعلماء والمثقفون ضد وسيلة الانتحار، وتفجير الأبرياء من أجل أغراض سياسية، وبذلك يكسب العدو المحتل أهم قضية في تاريخ احتلاله.. ونخسر جميع قضايانا، الداخلية منها والخارجية، ونبقى على هامش التاريخ إلى أن يصحو الضمير من جديد، وتعود لغة الحكمة ووسيلة الإقناع والموعظة الحسنة إلى حياتنا، بعد أن عصفت بها حركات العنف، وأحكام التكفير والردة، ومشاعر الانتقام والكراهية..


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved