Saturday 24th April,200411531العددالسبت 5 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الوشم.. التحول إلى دائرة الجنون.. ومرحلة اليأس.. الوشم.. التحول إلى دائرة الجنون.. ومرحلة اليأس..
نحو إستراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب
د.علي بن شويل القرني(*)

فيما يبدو ان الإرهاب أخذ مرحلة جديدة من تطوره في مجتمعنا، فلم تعد الحجج السابقة، والمقولات القديمة هي التي يحتكم إليها هؤلاء الإرهابيون، بل تعدت ذلك وتجاوزته إلى الدخول في مرحلة نوعية غير متوقعة في تفكير الناس، وبعيدة عن أي منطق أو عقلانية.. وعلى الرغم من كون هذه الأحداث جميعها تقع في دائرة الجنون، إلا ان ما حدث ظهر الأربعاء الماضي في شارع الوشم وفي جهاز يعمل على إنقاذ الأرواح وصيانة الإنسان يقع في دائرة أعلى في جنون الانحرافات، ومستوى متدنٍ في الأخلاقيات الإنسانية ويعد خروجاً نهائياً من عقلانية الإسلام والعقيدة.إدارة المرور.. جهاز ينظم إيقاع الحياة اليومية في مجتمعنا.. يسعى بكل امكانياته المادية والبشرية إلى تنظيم حركة السير والمركبات وتوجيه الناس إلى أقصر الطرق، أفضل الطرق، وآمن الطرق حتى نصل إلى أعمالنا، ويصل أبناؤنا إلى مدارسهم، ونحن إلى بيوتنا والمصلون إلى مساجدهم، والمعتمرون والحجاج إلى مقاصدهم التعبدية، والناس إلى مختلف شؤونهم ومناسك حياتهم اليومية.. هذا الجهاز يضع على كاهله مسؤولية حماية الأرواح وسلامة الأنفس.. ويعمل على تقليص الحوادث وتطوير الوعي المروري بين الناس لتفادي الكوارث وحفظ الممتلكات وتفادي النزف الذي تتركه الحوادث على الطرقات السعودية.. وعلى الرغم من هذا الهدف الانساني الذي تقوم به إدارة المرور، فقد رأت هذه الفئة الضالة ان تسيل دماء هذا الجهاز، وتعوق حركته، وتعطب مساره، وتشوش على عمله، وتعرقل طوابير المراجعة من المواطنين والمقيمين، من النساء والرجال والأطفال وغيرهم من منسوبي هذه الإدارة.
هذه المرحلة التي يمر بها مجتمعنا العربي السعودي المسلم لم تكن مسبوقة أبداً بمثل هذه الحوادث، وبمثل هذا النزف، وبمثل هذا الجنون.. ولهذا فينبغي لنا ان نقف وقفة واحدة، وصفاً واحداً، ويداً واحدةً، وخطاً واحداً، واتجاهاً واحداً.. نحو مرحلة نوعية من مراحل المكافحة لهذا اللون الجديد من إرهاب الناس وتعكير صفو الحياة الطيبة في بلادنا، والتشويش على مسار المجتمع، وسلامة الفرد.. المرحلة التي نحن أمامها غير كل المراحل، وغير أي الملامح السابقة، ومختلفة في الشكل والمضمون، وفي المسافة والزمن، وفي التاريخ والأرض، وفي العقل والوجدان.. هذه مرحلة تستوجب علينا فرداً فرداً، وعقلاً عقلاً، وجسداً جسداً ان نتحول إلى كتلة واحدة من الرفض والاحتجاج، ومن التصدي والاستنكار.. هذه أفعال لا نرضاها لغيرنا فكيف إذا وقعت علينا لا نرضاها للمدنيين ولمؤسسات المجتمع المدني في دول أخرى فلماذا نراها في مبانينا وعلى طرقاتنا وفي مدننا وقرانا..؟الذي نراه اليوم ان الأجهزة الأمنية فقط هي التي تواجه مخاطر الإرهاب وتهور الانحرافات المتطرفة وتدني الرؤية الصحيحة للأمور والشؤون العامة من قبل هذه الفئات الضالة والشرائح المتطرفة ولكن لماذا تقف الأجهزة الأمنية فقط أمام هذا التحدي وفي مواجهة هذا الشر والفساد، وضد هذه العقول المتزمتة.. ونرى أنه ينبغي ان تتوحد كل صفوفنا وتتحد كل أفكارنا في مكافحة هذا الشر المستطير، وفي وقف هذا النزيف المستمر.. ومن هنا فإني أدعو إلى وضع استراتيجية وطنية واضحة الملامح، واسعة الأفق، عميقة التفكير، متعددة الجوانب لمواجهة المرحلة التي نحن فيها، والحقبة التي نعيشها اليوم.. ولتحقيق مثل هذا الهدف، ولتوضيح جوانبه العديدة ينبغي ملاحظة الخطوات والاجراءات التالية:
1- المواجهة يجب ان تكون من قبل كل المواطنين، بدون أي استثناءات فالمواطن هو المهدد في هذه العمليات قبل رجل الأمن، ومؤسسات الخدمة الأمنية.. ولهذا فالمرحلة القادمة يجب ان يتوجه الجميع من خلالها إلى دور فاعل وجوهري وصريح وصارخ في مكافحة هذا الإرهاب الداخلي الذي بدأ في مرحلة جنون ويأس وعشوائية.
2- ينبغي ان تتبنى الدولة تحركاً مؤسسياً واحداً في وضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب الداخلي، وتتمثل كل القطاعات والمؤسسات والمنظمات والإدارات والشرائح والاتجاهات في فريق واحد، ومنظومة مشاركة لبناء هذه الاستراتيجية ووضعها على أرض الواقع.
3- تشترك كل المؤسسات الرسمية والخاصة وكل فئات وشرائح المواطنين، وكل مناطق المملكة ومدنها وقراها في التصدي الكبير لهذه الفئة وانتزاع روح المبادرة منها، واستئصال أمل التدمير ومقومات العنف.
4- من الملاحظ في الفترة الماضية إلى هذا اليوم، ان موضوع مكافحة العنف والتطرف يعمل تدرجياً وعبر مؤسسات عديدة، ولكن بطريقة عشوائية، غير منتظمة وبدون أهداف واضحة وملامح محددة. ولهذا ينبغي ان نتجه عبر هذه الاستراتيجية إلى تطور نوعي، وعمل وطني واحد.. لتحقيق هدف الأمن والاستقرار في بلادنا.
5- تنقسم الاستراتييجة الوطنية المقترحة إلى مراحل، أولها يشخص المشكلة، ويجمع الحقائق، ويستقصي الأبعاد لمشكلة الإرهاب في بلادنا وثانيها، يضع الحلول المرحلية والاستراتيجية لهذه المشاكل والقضايا والهموم، وثالها يبدأ مرحلة التنفيذ والتطبيق لهذه الاستراتيجية.
6- ينبغي ان نفكر في الاستراتيجية عبر أطر زمنية بعيدة، وليس عبر مرحلة وقتية قصيرة ولكن تنتهي هذه الاستراتيجية إلى نهايات ايجابية وحلول عملية وختامات تصب في مصلحة الوطن والمواطن.
7- ينبغي ان تتكون لجنة دائمة للعمل على وضع وبناء هذه الاستراتيجية والتخطيط لها والإشراف على تنفيذها وتعديلها وتطويرها ومراقبتها وتتكون هذه اللجنة من عقول سعودية ذات فكر استراتيجي، وذات رؤية صائبة، وأفق بعيد، وتتسم بعمق في الطرح وجرأة في العرض وقدرة عالية في الاقناع والتنوير.
8- ينبغي ان تتلمس هذه اللجنة تجارب الدول الخرى وآليات عمل تلك المشروعات الوطنية في تلك الدول للاستفادة من الايجابيات والترفع عن السلبيات.
9- ينبغي ان تعمل هذه اللجنة بصوت مسموع مدوٍّ في محافل رسمية وشعبية لتحريك الناس وتفعيل المؤسسات وتوعية المجتمع فهذه اللجنة تعمل في ذاتها كمحرك توعوي وجهاز اعلامي وآلة تثقيفية.. فبينما تعمل هذه اللجنة في جمع معلوماتها وتقصي رؤيتها واستئناف ملامح برامجها، فهي تسعى من خلال الإعلان والإعلام والأخبار والتوعية والتثقيف إلى بناء ملامح الحلول الجديدة والمراحل الإصلاحية المقترحة.. أي أنه مع مرورالوقت تؤسس الإستراتيجية الوطنية بذور الحلول لمشكلة الإرهاب بإذن الله تعالى.

(*) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved