اشترى جحا نصف دار فقال يوماً: (سوف أبيع نصف الدار الذي لي وأشتري بثمنه النصف الآخر حتى تصير الدار كلها لي). وهذا ما يفعله الرئيس بوش اليوم بشرائه ورقة الضمان لترشحه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لدورة ثانية من شارون ولكن بالعملة الفلسطينية.
إن إدارة بوش أخذت على عاتقها ومنذ أحداث 11 سبتمبر رسم الخريطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط بالدم لا بالحبر أو الفكر ومسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية في انتشار ظاهرة الإرهاب أصبحت عبئا على إدارة بوش التي تنفخ الكير على نار الصراعات لتتأجج ومنها الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وتشكل تفاهمات بوش - شارون سابقة خطيرة وتلاعبا بالقانون الدولي وذلك حسب تعليق الرئيس الفرنسي جاك شيراك حيث قال إن الأمر خطير وذلك في الرد على قول الرئيس بوش حول عدم التقيد بحدود 1967م بين الإسرائيليين والفلسطينيين وأضاف: بالنسبة إلى الحدود أعتبر أنه من الضروري احترام القانون الدولي وأنا متحفظ على إعادة النظر بالقانون الدولي سواء أكان من طرف واحد أو بشكل ثنائي.
يقول نايف حواتمة (الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين): إن سياسة شارون في الفصل الأحادي الجانب سياسة مدمرة وهي خطوة طويلة الأمد وتحرر قوة عسكرية من أجل توظيفها في إدامة احتلال الضفة الفلسطينية ومشروع شارون دولة فلسطينية مؤقتة على 42% من أراضي الضفة ويحتفظ بـ52% من الأراضي ضمن الجدار العازل ليساوم لما يمكن أن يضاف أو لا يضاف لـ42%!.
أخطأت السلطة الفلسطينية في رفع سقف التنازلات مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حتى طار السقف وانفلتت الحقوق الفلسطينية ولم يكن ليخسر أبو عمار أكثر من الآن لو أعلن قيام الدولة الفلسطينية.
إن التطرف السياسي (ولا سيما لدولة كأمريكا تعتبر القطب الأوحد للعالم وفي المرحلة التاريخية المضطربة حاليا) لا يقل خطراً عن التطرف الديني الذي يولد الإرهاب في قاموس الغرب فشارون ذهب إلى بوش ليصلب حمامة السلام على عمود الانحياز الأمريكي الأعمى لإسرائيل بعد أن انتقل بوش من وسيط إلى شريك لإسرائيل يتحكم بمصير الشعب الفلسطيني، ففي سابقة خطيرة ومنذ 56 سنة يعلن رئيس أمريكي رفض الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود 1967م ويرفض عودة اللاجئين، وقد علق الاتحاد الأوروبي قائلا: (يتعين على إسرائيل أن تسعى إلى السلام مع أعدائها لا مع أصدقائها).
إن التعاطي المنفرد لإدارة بوش مع قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يهمش وزن الأسرة الدولية والشرعية الدولية وهذا نفس الخطأ الذي ارتكبته السياسة الأمريكية الخارجية عندما ذهبت للحرب على العراق منفردة دون مظلة الشرعية الدولية. إن التعامل بشمول مع قضايا الشرق الأوسط واجب على الولايات المتحدة الأمريكية والأسرة الدولية معا وصورة أمريكا في الوجدان العربي آخذة في الغور في أعماق الكراهية طالما بقيت تترنح بين صورتها كمحتلة للعراق وصورتها كمنحازة وداعمة لإسرائيل وهذا ما سيدفع المنطقة إلى أن تبقى أسيرة حلقات العنف والعنف المضاد.. وحسب تعليق زيينغنيو بريجنسكي (مستشار الأمن القومي الأسبق في إدارة كارتر) على انحياز إدارة بوش لشارون: (إنما هو معادلة ديمومة للصراع في المنطقة ومعه عزلة عالمية لأمريكا).
لم يكن استخدام القوة من قبل إدارة بوش في الحرب على العراق مرتبطًا بهدف سياسي أكثر شمولاً من الإطاحة بنظام صدام لذلك تحول العراق وحسب تعبير السناتور تيد كنيدي إلى (فيتنام بوش) والمأزق العسكري الذي تتعرض له القوات الأمريكية الآن يعكس المأزق السياسي الذي تغوص فيه في المنطقة بسبب فقدان المصداقية، وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية الحصول على طوق النجاة بإزالة صفة الأمركة من وجود الاحتلال العسكري لقواتها على أرض العراق وإضفاء الشرعية الدولية على هذا الوجود العسكري لكي تسمح بولادة طبيعية لحكومة عراقية ديمقراطية وليس بعملية قيصرية قد تؤدي إلى إجهاض الأجنة الديمقراطية. وضمن النسيج الفسيفسائي السياسي العراقي فإن دفع عملية الدمقرطة ضمن فراغ سياسي خال من المفاهيم سوف تكون غالباً نتيجته الفوضى العارمة وحمل المطالب على فوهات البنادق. والشريك المدني القوي للحكومة الانتقالية العراقية لا بد أن تكون الأمم المتحدة لذلك يجب أن تتحلى الأمم المتحدة بالمسؤولية المناطة بها من أجل مستقبل العراق وكذلك على العراقيين أن يخرجوا من أتون العنف والسعي إلى السلطة والعمل على بناء عراق جديد ديمقراطي لا يوفر حجة لبقاء المحتل ودور الدول العربية كشركاء في مستقبل العراق كبير ولا بد للعرب من تحمل أعباء المسؤولية في الشراكة في السلام سواء في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ورفض المبادرات الشارونية والوقوف في وجهها أو في الوقوف إلى جانب العراقيين بدل لبننة العراق بتحويله إلى ساحة تصفية حسابات يدفع فواتيرها المدنيون الأبرياء من العراقيين.
إن الأجندة العربية ليست واحدة تجاه القضية الفلسطينية وكذلك تجاه الملف العراقي، والشعارات وحدها لا تخلق سياسة فاعلة والوصول بالعراق وفلسطين إلى شط الأمان يكمن في البحث عن المسؤولية الضائعة بين أرجاء البيت العربي أولا قبل البحث عنها خارجاً، فالانفراج في المنطقة يبدأ من فكرة القبول بتحمل المسؤولية، فمن جانب الأمريكان يجب تحمل المسؤولية بضرورة العودة إلى حظيرة الأسرة الدولية والتي بدورها تعمد إلى مد يد العون والشراكة إلى القادة العراقيين والعرب لتسمح كل الأطراف لأشعة المستقبل المضيء من أن تنير النفق العراقي والذي بقي زمنا طويلا يعيش في ظلام الحرب والقمع.
|