* الجزيرة - خاص:
السنة النبوية المطهرة، والسيرة العطرة مرجعية لا غنى عنها لتربية المجتمع المسلم على أخلاق الإسلام ومبادئه، فكيف يمكن توجيه المرأة المسلمة للاستفادة من السنة والسيرة في تربية النشء، ولا سيما الفتيات على تعاليم الإسلام وأخلاقه، وتعريفهن بمسؤولية المرأة في بيتها ومجتمعها، كذلك التعريف بمكانة المرأة في الإسلام وما لها من حقوق، وما عليها من واجبات، وتنمية قدرتها على مواجهة محاولات تغريب المرأة المسلمة تحت ستار من دعاوى التحرر والمساواة؟
طرحنا هذه التساؤلات على عدد من الأكاديميات بأقسام الدراسات الإسلامية فكان هذا التحقيق.
بداية تقول د. حصة بنت عبدالكريم الزيد أستاذ الدعوة والاحتساب المساعد كلية الآداب: إن من يقرأ النسبة النبوية المطهرة والسيرة العطرة يجد فيها الكثير مما يتعلق بتوجيه الأسرة المسلمة، سواء منها ما له علاقة بتربية الأبناء وحسن توجيههم وتقويم سلوكهم، أو العلاقات الزوجية، وما يجب أن تكون عليه، وكيف يمكن ان تستثمر وتنمو بطريقة سليمة، كما لا تخلو السيرة النبوية من أساليب متعددة تنير لنا الطريق لكيفية التعامل مع الآخرين، وتقوية صلة الأرحام وحقوق الجار، وكل ما يحقق المجتمع المثالي الذي يميز المسلمين عن غيرهم من الأمم الأخرى.
وتضيف د. الزيد: فلا يمكن انكار ان هذه السيرة نبراس نستعين به في طريق حياتنا ليحقق الخير والصلاح للأسرة المسلمة.
وما دام الأمر كذلك فإن استهلاك السيرة النبوية العطرة في توجيه الأسرة المسلمة - والمرأة جزء منها - هي التي يمكن ان تقف سداً منيعاً في مواجهة أي محاولات لتغريب المرأة المسلمة تحت ستار من دعاوى التحرير والمساواة، أو أي دعاوى أخرى يمكن أن يثيرها المشككون، أو يتناولها دعاة التغريب الذين يسعون الى هدم المجتمع برفع شعارات تحرير المرأة، وتحقيق المساواة، وكأنها لم تحقق شيئاً في ضوء وسطية الإسلام ومثاليته.
تطبيق سنة المصطفى
أما الأستاذة منيرة بنت عبدالله القاسم، المحاضرة بكلية التربية الأقسام الأدبية، ورئيسة اللجنة النسائية بالندوة العالمية للشباب الإسلامي فتقول:من أجل تحقيق أكبر استفادة من السنة النبوية يجب مراعاة عدد من الأمور يمكن تلخيصها فيما يلي:
- القراءة المستفيضة للسيرة النبوية من قبل المربي واستيعاب مدلولاتها.. وكذلك توجيه النشء للقراءة بما يتناسب وأعمارهم.
- إبراز مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، رضوان الله عليهم، فيما يواجه الوالدين والمربين من مواقف مشابهة مع الناشئة.
- أن تكون المرأة المسلمة نفسها قدوة في تطبيق سنة المصطفى في سلوكها واخلاقها ومعاملاتها مع الآخرين.
وتضيف القاسم: ومن الأهمية بمكان تعريف الناشئة - الفتاة بالذات - بحقوقها وواجباتها من خلال السنة، وبيان مدلول كل منها، وتربيتها على الاعتزاز بها، والتركيز على الفتيات منذ الصغر في غرس معاني الحياء والستر والتمسك بالحجاب، واتخاذ الصحابيات الجليلات نموذجاً يحتذى بهن في ذلك، وأحاطتهن بكيد الأعداء ووسائلهم في تحقيق مخططاتهم التي تستهدف الفتاة المسلمة التي تمثل نصف مجتمعها ومربية أجياله القادمة بمشيئة الله،
ومن المناسب جداً، خصوصاً للأطفال والفتيات في سنواتهم الأولى، سرد قصص من السيرة قبيل النوم ليعتاد الطفل عليها في الصغر، فينشأ على محبة الرسول وسيرته، ومن ثم الاقتداء بهن، وحبذا لو يتولى الآباء والأمهات والمعلمون والمعلمات إعداد درس أسبوعي (عائلي - مدرسي) يعرض قصة أو موقفاً - خارج المنهج - مع استخلاص الفوائد من خلال المناقشة والحوار حول الموضوع.
التشويق في العرض
من جانبها تقول د.نور بنت حسن قاروت، الأستاذ المساعد بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى: نحتاج من علماء المسلمين تقديم البراهين العلمية والعملية، على أن أي مخالفة في منهج السنة التربوي له من الآثار الضارة والمفاسد أضعاف المنافع المرجوة، فلا بد من الحذر في استيراد اي نظرية تربوية قبل مقابلتها بالسنة الصحيحة.
وكذلك نحتاج الى التشويق في عرض السنة والسيرة باستخدام التقنيات الحديثة، فأطفال اليوم ليسوا كأطفال الأمس، ولو انفقت وزارات الإعلام على تطوير برامج الأطفال نصف ما تنفق على استيراد البرامج الكرتونية لما حصلت الازدواجية بين ما يتلقاه الطفل في المنزل والمدرسة وبين ما يشاهده في التلفاز.
وتضيف د. نور قاروت: والمرأة لها في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم شأن عظيم، والبعض من النساء تجهل ذلك، إما لغربة ثقافتها وإما لقلة معرفتها، فيسهل على الاعداء تلبيس الحق بالباطل عليها. وقد يقصر القلة - من الرجال - ممن ظاهرهم التدين في معاملة المرأة فيخالفون السنة، فتظن المسكينة ان ذلك من الدين، وهو ما يتطلب طرح قضية المرأة كما وردت في السنة لإزالة الشبهة عند الكثيرات، لا سيما اذا تم من قبل المتخصصات في العلوم الشرعية، وتوجه الدعوة لطالبات الجامعات والكليات ويسمح لهن بالمداخلات والمناقشات.
مسؤولية الإعلام
أما الأستاذة أمل بنت فهد الجليل، المعيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض فتقول: لا يختلف اثنان على عظم مسؤولية تربية النشء، ولا سيما الفتيات، والذي تضطلع به جهات عدة منها البيت والمدرسة ووسائل الإعلام والمجتمع بشكل عام، وعلى كل تلك المؤسسات ان تحرص على قيامها بمهمة تربية الناشئة على ضوء هدي الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً.
حيث نجد ان الرسول صلى الله عليه وسلم رغب في الاحسان الى الفتيات واحتوائهن والعمل من أجل سعادتهن في الدارين، حيث رتب على ذلك حجب من يحسن تربيتهن ويزوجهن بالكفء من الصالحين عن النار، وجعل لهن من الحقوق والواجبات ما يكفل لهن الحياة الكريمة، فالنساء شقائق الرجال، كما حرص على التأكيد على وجوب اكرامهن حيث قال: (ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم) بل كان من آخر وصاياه: (استوصوا بالنساء خيراً).
أبعد ذلك يزعم دعاة تغريب المرأة أنهم من سينصرون المرأة ويعطونها حقوقاً لم يسبقهم فيها أحد، إن كان هناك حق سيعطى من قبلهم للمرأة فهو حقها في الذل أمام رغبة الرجال في الاستمتاع بها كما يشاءون ومتى يشاءون، وارهاقها جسدياً ونفسياً بأعمال الرجال وادوارهم جرياً وراء سراب المساواة الزائفة.. لذا يجب على كل المؤسسات التربوية والتعليمية الاستبصار بالسنة النبوية والاستشهاد بها لبناء شخصية فتياتنا على التميز والعزة والبصيرة، ولحمايتها من التأثر من دعاوى تحريرها (إفسادها).
معايشة الأسرة للسيرة
أما د. شيخة المفرج، عضو هيئة التدريس بقسم السنة بكلية أصول الدين بالرياض، فترى أن لتعليم النشء السيرة النبوية اثراً تربوياً بالغاً في تنشئتهم على الأخلاق النبوية الفاضلة، لذا ينبغي أن يحفظ الولد بعض الأحاديث النبوية التي ترسم للناشئ منهج حياته المستقبلية.
فالسيرة النبوية حافلة بشمائل المصطفى وأحاديثه الفعلية مما ينبغي أن ينشأ الولد عليه كحب السواك والطيب، وصيام الاثنين والخميس، وطول الصمت وقلة الضحك، والكرم والجود، والتبسم في وجوه الآخرين، الى غير ذلك من حسن الخصال.
لذا فإنه حري بالمربين، من آباء وأمهات ومعلمين ومعلمات، أن ينهلوا من هذا النبع التربوي الصافي، ويستفيدوا منه في اسقاء البراعم لتنشأ قوية صلبة، فلا تُكسر لها ساق ولا تسقط لها ورقة، مهما بلغت قوة الإعصار، بإذن الله، تحقيقاً لوعوده عليه الصلاة والسلام: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي).
لو جعلت المناهج الدراسية منهجا خاصا بالسيرة يوجه فيه الناشئ لأمور يسيرة من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم تزداد التوجيهات وتكون أكثر عمقاً في بقية المراحل الدراسية.
غرس محبة الرسول
وتقول د. رقية بنت نصر الله محمد نياز، أستاذ الدعوة والاحتساب المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض: مما لا شك فيه ان سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تضمنت جزءاً كبيراً فيما يتعلق بقضايا المرأة وخصوصياتهن، وهذا بحد ذاته غنيمة عظيمة ينبغي توجيه المرأة للاستفادة منها في نفسها ومع من حولها ولايمكن مواجهة هذه التيارات المسمومة إلا بالاهتمام بهذا الركن الركين من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، ويتحقق ذلك بوسائل عدة منها زيادة جرعات السيرة النبوية في مراحل التعليم الأساسية، واستغلال التقنيات الحديثة المقروءة والمسموعة والمرئية في التعريف بها، وفضليات النساء اللاتي كان لهن تأثير إيجابي في المجتمع، ومناقشة الدوافع وراء ذلك النجاح، ولا بد من ربطها بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
حقوق المرأة
أما د. ليلى بنت سعيد السابر، الاستاذ المساعد بقسم السنةبكلية أصول الدين، فتقول:المتأمل في دلائل عناية السنة المطهرة بالمرأة يدرك مدى اهتمامه صلى الله عليه وسلم بمكانة المرأة وحقوقها ودورها في تربية الأبناء، وهو دور يجب ان تعيه كل امرأة مسلمة، وتعلم ان صيانة حقوقها لا تنفصل عن أدائها لدورها الذي يتفق مع طبيعتها، وألا تنساق وراء الشعارات الزائفة لتحرير المرأة التي يروج لها أعداء الإسلام او من بهرتهم مظاهر المدنية الغربية من المحسوبين على الإسلام، رغم ان المنصفين من كتّاب الغرب يعرفون مدى عناية الإسلام بحقوق المرأة ومكانتها، وليس أدل على ذلك مما أورده المستشرق الفرنسي (اندورسير) الذي عاش في رحاب السنة والسيرة 20 عاما في كتابه (الإسلام ونفسية المسلمين) بقوله: من أراد ان يتحقق من عناية محمد صلى الله عليه وسلم فليقرأ خطبته في مكة التي أوصى فيها بالنساء.
|