زرت مكتباً معداً للتأليف والنشر فالتقيت دكتوراً في الأدب فكان حديثي معه عن السنة وعناية رواتها بها، وقلت: إن مسند الإمام أحمد تم تحقيقه، وظهر بخمسين مجلداً.
فقال: إن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لا تتجاوز العشرين أو الثلاثين، فمن أين جاء هذا العدد الضخم من الأجزاء؟! قال ذلك منكراً كثرة الأحاديث النبوية. فدهشت من قوله، وناقشته فلم يفلح البيان معه.
إنها شِنْشِنَةٌ نعرفها من أخزم. فالطعن في الأسانيد والأحاديث، والتقليل من شأنها قضية سداها ولحمتها من المستشرقين، وعلى رأسهم المستشرق اليهودي (جولدتسيهر) الذي هو امتداد لليهودي (عبدالله بن سبأ)، وتابعه (محمود أبو رية) في كتابه (أضواء على السنة المحمدية) وبعض الذين وفدوا إلى أوروبا للحصول على الشهادات العالية كالماجستير والدكتوراه.
وقد تلقّف هؤلاء تخرصات (جولدتسيهر) على أنها قضايا مسلّمة لا تحتمل النقاش، كان طعن المستشرقين ومن حام حول حماهم متعمِّداً، لتقليل الثقة بهذا الدين المتين، وللقدح بالقرآن الكريم المصدر الأول للمسلمين، لأن السنة جاءت شرحاً لمعناه، وتفسيراً لنصوصه، وتأكيداً لمحكمه، وتوضيحاً لمشكله، وتخصيصاً لعامّه، وتقييداً لخاصِّه، وتبييناً لما أجمل فيه من الأحكام.
فإذا ضعفت الثقة بالأحاديث والسنة، وكثُرَ الطعن في الصحابة والتابعين سهُل عليهم غزو المسلمين في أفكارهم وبلادهم لينهبوا خيراتها ومواردها.
إذن الطعن في الأسانيد والأحاديث ليس مبنياً على علم صحيح، وفهم سديد، وإنما هو مخطط سياسي استعماري، لكي ينسلخ المسلمون من هذا الدين القويم ليكونوا أذناب الغرب.
وأمر طبيعي أن تسمع من بعض الذين تلقوا عن المستشرقين أفكارهم الطعن في الحديث النبوي وفي رجاله. كما أنه قلَّ أن يسلم من هذا الداء العضال، وهو الجهل في الحديث وعلومه من خُدع بأفكارهم البراقة، وأخذ علمه منهم.
والأصل في تلقي الحديث وعلومه أن يكون عن الشيوخ المشهود لهم بالورع والصدق والاطلاع الواسع. قال محمد بن سيرين - رحمه الله - إن هذا العلم دين فاعرف عمن تأخذ دينك).
وعلم الحديث علمٌ فيه تأصيل وتقنين ودقة. وقد لقي الحديث النبويُّ من رجاله عناية فائقة، فعنوا بمتنه (وهو كلام النبي صلى الله عليه وسلم) وبإسناده (وهم الرجال الذين نقلوا لنا الحديث). قال عبدالله بن المبارك - رحمه الله -: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وقال سفيان الثوريُّ - رحمه الله -: الإسناد سلاحُ المؤمن.
وقد عني الصحابة بالسنة حفظاً وفهماً واستنباطاً، وقد حملها عنهم التابعون بكل أمانة ودقة، لذا فمكانة الحديث عظيمة، وهو المصدر الثاني للاحتجاج به.
والله - سبحانه - حافظ كتابه وسنة نبيه على الرغم من تشكيك المغضوب عليهم وتشكيك الضالين والحاقدين والمنافقين.
قال الله - عز وجل -: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9) سورة الحجر.
وقال - سبحانه -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7) سورة الحشر.
فانتبهوا يا أبناء المسلمين مما يحاك لكم من المغرضين، وانهلوا من معين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تفلحوا وتسعدوا وتسودوا.
|