من الأمثال العامية التي تصنعها التجارب، وتتمخض عنها الظروف التي تمر بصناعها قولهم (سخنا الما وطار الديك) يضربون بذلك مثلا للشيء يثقون في الحصول عليه، ولم يعدّوا له عدة تمكنهم منه وتضمن لهم ذلك، فإذا ما أخذوا في الإعداد له معتقدين السيطرة على امتلاكه باءوا بالإفلاس منه، وتمثل لهم الفشل من واقع فواته، أو انفلاته من بين أيديهم أثناء الاستعداد للإمساك به.
ولقد طلبت إلى الصديق الأديب الشاعر راشد بن محمد بن جعيثن أن يصنع عجزا لقولهم (الديك يذن والدجاجة تقوقى) فقال:
الديك يذن و الدجاجة تقوقى
وفاح القدر والديك يا ربعنا طار
والشاعر راشد بن جعيثن قد نظر إلى المثل الآنف الذكر فصاغه بكل فنية ملائمة للحالة التي صنع ذلك المثل بسببها.
قلت، وهذا يذكرني بقول صريع الدلاء وقتيل الغواشي، واسمه: محمد بن عبدالواحد، قال عنه محمد بن شاكر الكتبي في (فوات الوفيات) 3، 424، 425 إنه كان شاعرا ماجنا غلب على شعره الغزل والمجون، وقد ذكر أن وفاته كانت سنة 412هـ.
أما قوله الذي وقفت عليه وفيه معنى من مقصد المثل العامي الآنف الذكر فهو:
من طبخ الديك ولا يذبحه
طار من القدر إلى حيث يشا |
وهذا البيت من قصيدة قيل انه عارض بها مقصورة ابن دريد، وفيها -أي قصيدة صريع الدلاء- أبيات تشتمل على حكم مصاغة بأسلوب هزلي، وذلك مثل قوله منها:
من ناطح الكبش يفجر رأسه
وسال من مفرقه شبه الدما
من مازح السبع ولا يعرفه
مازحه السبع مزاحا بجفا
من فاته العلم وأخطاه الغنى
فذاك والكلب على حد سوا
من لم يرد أن تنتقد فعاله
يحملها في كفه إذا مشى |
قلت، وهذه الوقفة على هذه الأبيات جاءت وفقا لقولهم: (الشيء بالشيء يذكر).
أحمد عبدالله الدامغ
|