Friday 23rd April,200411530العددالجمعة 4 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نوازع نوازع
إلى حاسد
د. محمد بن عبدالرحمن البشر

أيها المبغض لغيره، الظالم لنفسه، المنشغل بشأن سواه، كم أنت مسكين تحتاج إلى العطف، مريض تحتاج إلى الرعاية. أما علمت قول أحد الحكماء: ألزم الناس كآبة أربعة: رجل حديد، ورجل حسود، وخليط الأدباء وهو ليس بأديب، وحكيم محقَّرٌ لدى الأقوام. وأراك قد جمعتها إلا الرابعة، فهي منك براء. كنت الصديق قبل الفضل، الحاسد بعده، قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ}، لقد كشّرت عن نابك بعد أن أسبغ الله علي من نعمه، ومنَّ علي بكرمه، فأجهدت نفسك في البحث عن مثالبي، فعندما لم تجد، أرخيت عنان خيالك ليفتري، ولسانك ليرتاب، وهيهات أن يضر السحاب نبح الكلاب. ولكني أعلم أنّ كل ذي نعمة محسود . قال الشاعر:


حسدوا النعمة لما ظهرت
ورموها بأباطيل الكلم
وإذا ما الله أسدى نعمة
لم يضرها غير أعداء النعم

أسألك بالله ماذا جنيت إذ افتريت؟ وماذا غنمت إذ ارتبت؟ همّ دائم، وحزن لازم، وسوء مآل. قال معاوية: (ليس في خصال الشر أعدل من الحسد، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود). فإن أردت سوء الحال فعليك بما أنت فيه، وإن اخترت الهداية فأبوابها مشرعة، فادخل من أي باب شئت.
أعلم أن حسدك لم يقتصر علي، ولم تخصني به، لكنه جبلة قد جبلت عليها، وسوء خلق قد استمرأته، فآثرت أن تنال به القريب والبعيد، والعدو والصديق، وكان نصيبي منه نصيباً معلوماً، ومع هذا فهو لم يضرني، ولم ينفعك.
أيها الحاسد: إن طنين الذباب يزعج، لكنه لا يضر ولا يقلق، ومن اعتاد عليه ألفه، وهأنذا قد فعلت. متمثلاً قول الشاعر:


اصبر على كيد الحسود
فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل نفسها
إن لم تجد ما تأكله

وقول الشاعر الآخر:


إن يحسدوني فإني غير لائمهم
قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهم
ومات أكثرنا غيظاً بما يجد

أو قول الشاعر:


وإذا أراد الله نشر فضيلة
طويت أتاح لها لسان حسود

فلا تثريب عليك، فأن منشغل بما أنا فيه من العمل، وأنت منشغل بما أنت فيه من الحسد، راجياً من المولى أن يهديك إلى رشدك، وأن يعفو عنك. فإن كان بي ما قلت فأدعو الله أن يغفر لي، وإن لم يكن فأرجو الله أن يعفو عنك.
وسأعودك إن مرضت، وأشفع لك إن استشفعت، وأقضي حاجتك ما استطعت، وأعلي قدرك، وأشد أزرك، وأكرم رفدك.
أيها الحاسد: روض نفسك على ترك الحسد، وأرح قلبك من الضيق والنكد، وانظر إلى عيوبك فصلاحها أوجب، وإلى عملك فهو إلى فكرك أحوج، فترويض النفس على الخير محمدة، والانصياع للهوى مفسدة، وهذا يحتاج منك إلى التبصر، والنظر بعين المبصر، وترك وساوس الشيطان، فإنه لن يترك سبيل غواية إلا سلكه، مستمداً قوته من ضعف الإنسان وبعده عن ربه، أنت قادر إن رغبت فاجتهد، وأنت عاجز إن عزفت فاعتبر، وسترى نفسك في حال أفضل من حالك إن شفيت، وعليك بالمداومة، حتى تنال خير الدنيا والآخرة، راجياً لك الهداية والسلام.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved