ترأس معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري مساء أمس الأربعاء الندوة الكبرى لمؤتمر (موقف الإسلام من الإرهاب) الذي تنظمه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعنوان (المسؤولية العالمية تجاه الإرهاب والعنف والتطرف).
وتناولت الندوة موضوع الإرهاب والعنف والتطرف من منظور شامل، وعرض وجهات النظر المختلفة حوله، والعوامل المؤثرة في نشوئه، وكذلك أنواع الإرهاب وصوره المتعددة، وكيفية التعامل معها على المستوى العالمي، لكافة المستويات، وتحديد مسؤوليات الأفراد والجماعات والدول في هذا المجال.
وشارك في الندوة معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد رئيس مجلس الشورى، ومعالي الأستاذ الدكتور محمد كمال حسن مدير الجامعة الإسلامية بماليزيا، والسفير أحمد الغزالي الأمين العام المساعد للشؤون الثقافية بمنظمة المؤتمر الإسلامي، الشيخ مصطفى سيرتش مفتي البوسنة والهرسك، د. جورجن نيلسون مدير معهد دراسات الأديان بجامعة برمنجهام، بريطانيا، د. انطونيو بلتيري بجامعة بلاريمو بإيطاليا، أ.د بروس لورنس رئيس قسم الأديان في جامعة ريوك بأمريكا.
في البداية أكد الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد رئيس مجلس الشورى على أهمية انعقاد هذا المؤتمر في هذا الوقت بالذات، مقدما شكره لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على تنظيم هذا المؤتمر، وتكامل محاوره لمناقشة هذه الظاهرة.
وقال: إن الحديث عن مصطلح الإرهاب في مختلف وسائل الإعلام وأوساط النخب السياسية والثقافية مازال غامضاً، ومثيراً للجدل ولا يوجد أدنى اتفاق دقيق لمفهوم الإرهاب، مشيراً إلى ان العالم يموج بمراكز من البحوث التي لا يعجزها تقديم مصطلح الإرهاب، والاجتماع حوله، والاتفاق عليه.
وأضاف: أنا اعتقد ان هناك أفراداً ومؤسسات ودولاً أيضاً تسعى أن تبقي مصطلح الإرهاب غامضاً، لتحقيق أهدافها ومصالحها، ومن ذلك محاربة الشعوب، واضطهادها، وابتزازهم، وابقائهم أمماً مستضعفة، مشيراً إلى ان عدم صياغة مفهوم دقيق للإرهاب سيعرض نضال الشعوب ضد الاحتلال إلى اتهامها بالإرهاب، والخروج عن القانون.
وأشار إلى ان مئات المفاهيم التي تناولت الإرهاب لم تقدم حتى الآن تعريفاً محدداً، وحتى المفاهيم المطروحة للتداول والمقدمة من المجمعات الفقهية أو المؤسسات الأمنية ليست جامعة مانعة في هذا الجانب.
وبيّن الدكتور ابن حميد خلال الندوة خصائص الإرهاب والإرهابيين، وقال إن من بين هذه الخصائص أن الإرهاب له صفة المفاجأة، والتأثير النفسي والاجتماعي والأمني على حياة ومقدرات الأمم، كما أن الإرهابيين لا يراعون تعدي خطر فعلهم للإضرار بمصالح الأمم، ويعانون من بعض المشكلات كالبطالة والفراغ وبعض الظروف النفسية، كما يحملون أفكاراً مرفوضة في المجتمع، ولا يقبلون الحوار والتعددية في الأفكار ومناقشتها، كما لا يؤمن هؤلاء الإرهابيون بمرجعية علمية محددة، وينالون من ولاة الأمر والعلماء، كذلك يتسم الإرهابيون بسرعة تأثرهم بالأفكار الوافدة والغربية.
وقال: إننا في هذه المرحلة بحاجة إلى طرح سياسات لعلاج ظاهرة الإرهاب، وكيفية التعامل معها، والحد من آثاره، بحيث ننظر إلى ذلك بأسلوب شمولي تراعي فيه الهيئات والمنظمات الدولية حقيقة هذا الجانب، وخطورته على الأمن البعيد، دون النظر إلى الإرهاب بشكل أحادي ينتصر فيه القوي على الضعيف، أو توصم به فئة دون أخرى.
عقب ذلك أكد الدكتور مصطفى سيرتش رئيس العلماء والمفتي العام في دولة البوسنة والهرسك ضرورة تجلية المفاهيم الخاطئة لدى الغرب ضد الإسلام والمسلمين، مشيراً إلى ان بعض الغرب ينطلق من حقيقة جاهلة هي أن (المسلمين ليسوا إرهابيين، ولكن الإرهابيين مسلمون)، مشيراً إلى أن هذا يعطي انطباعاً ان كل عمل إرهابي مصدره الإسلام وهذا ليس صحيحاً، ولا يمكن قبوله، ولا السكوت عنه.
وقال: إن القرآن الكريم جاء بقيمة إسلامية رفيعة المستوى، عظيمة المسؤولية، فقال تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} إنها قيمة لحرية الضمير، وقيمة للبشرية، بأن التعدي والإكراه منبوذ في الإسلام.
ودعا مفتي البوسنة والهرسك إلى ضرورة تمثيل دولة مسلمة في المجلس الدائم لمجلس الأمن، قائلاً: كيف يتجاوز عدد المسلمين مليار وثلاثمائة مليون ولا يكون لهم تمثيل دائم في مجلس الأمن؟
بعد ذلك تحدث الدكتور جورجن نيلسون مدير معهد دراسات الأديان بجامعة برمنجهام في بريطانيا وقال: إن الإرهاب ظاهرة ليست جديدة، وحتى لو كان هناك إرهاب لدى بعض المسلمين فقد سبق ذلك إرهاب في أوروبا من خلال ما يسمى بالجيش الاحمر، كذلك الإرهاب الذي مارسته كرواتيا، فهذا يؤكد ان الإرهاب ظاهرة عالمية تقع في أي وقت وأي مكان، ولكن الاختلاف الذي أعتقد انه ظاهر للعيان هو من الشخص الذي يطلق عليه مسمى الإرهاب، أو بالأصح ما هو الإرهاب؟
وأضاف: ان أي دولة يجب أن يكون لديها احتكار للعنف، واستخدام العنف للدولة يجب أن يكون محدداً.
وأشار إلى ان الاشكالية التي نحن بصدد بحثها الآن هي ما هو الإرهاب؟.
عقب ذلك تحدث السفير أحمد الغزالي من منظمة مؤتمر العالم الإسلامي وقال: الحقيقة المعروفة لدى الجميع ان الإرهاب آفة كبيرة، تهدد أمن وحياة الشعوب، ويسعى المنتسبون إليه إلى الفساد والقتل.
وأضاف: ان أعمال الإرهابيين للأسف ممن ينتسبون للإسلام يستثمرها الغرب لتأكيد حقيقة كاذبة لديهم وهي أن الإسلام قام على ثقافة الحرب والموت وقتل الناس واخافتهم، كما يجعل الغرب يفهم حقيقة الجهاد في الإسلام على انه إرهاب والقاء النفس إلى التهلكة.
وأشار إلى ان الإرهابيين من بلاد المسلمين أساؤوا لنا جميعاً، وأساؤوا قبل ذلك لدينهم، وأمتهم، وللأسف انهم إلى هذه اللحظة لم يستوعبوا حقيقة ذلك، وخطورته على الإسلام والمسلمين مستقبلاً، حيث إن هناك من الغرب من يرى الإسلام هدفاً للنيل منه بعد سقوط الشيوعية.
وقال السفير الغزالي: إن الإرهاب الذي كان ينظر إليه العلماء في السابق اختلف عن الإرهاب الحديث الذي نعيشه حيث ارتبط الأخير بمصالح وأهداف، داعياً إلى ضرورة ايجاد استراتيجية إسلامية شاملة لإشاعة فكر الوسطية داخل العالم الإسلامي نستطيع من خلاله فهم الآخر والتواصل معه.
عقب ذلك تحدث الدكتور جوزيف توفمان من جامعة سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية، وقال: إن المسؤولية التي يجب أن يحملها العالم اليوم هي الوعي بخطورة الإرهاب وأشكاله المتعددة سواء كانت فردية أو جماعية أو حتى حكومية.
وأضاف: ان هناك حقيقة يجب أن نؤمن بها جميعاً وهي إن العنف لا يجلب إلا عنفاً، ولكن علينا في المقابل أن لا نبالغ في ردة فعلنا تجاه الإرهاب من خوف ورعب، علينا أن نكون معتدلين، ولا نجعل الإرهابيين يتحكمون فينا.
وأشار إلى أن الإرهاب في العالم هو خطاب، وقادر على خلق خطاب في أي وقت، داعياً إلى ان نجاح الإرهاب يقاس بحجم الفوضى والدمار التي يحدثها، أيضاً بحجم الخوف الذي يصيب به العالم، لذا علينا كما قلت أن لا نبالغ بردة الفعل أو الخوف، وان نبادر لوسيلة الإقناع والوعي لمواجهة هذا الداء.
عقب ذلك فتح المجال أمام مداخلات وتساؤلات الحضور، التي ركزت على مفاهيم الإرهاب، وأسباب غموضه، ومن يقف خلف بقاء مصطلح الإرهاب غامضاً.
كما طرحت مناقشات ومداخلات حول آلية التعامل مع الإرهاب الحديث كما يسمى لدى البعض، مشيرين إلى أن هناك التقاء في المصالح والأهداف بين الأعمال الإرهابية ودول ومنظمات عالمية أخرى.
|