* القاهرة - مكتب الجزيرة- محمد العجمي:
في الوقت الذي تتسارع المتغيرات نحو عالمية العلاقات الدولية ومفاهيم الأمن المتبادل والانفتاح على المعارف وتحرير التجارة وتعاظم دور المجتمع المدني والقطاع الخاص في أنشطة الدولة وقيام الحكومات بالتأثير في الأنشطة الاقتصادية بصنع السياسات وحفز الإرادة وشحذ الهمم دون إدارة الإنتاج أو التدخل المباشر في حركة الأسواق نجد العالم العربي في حالة حول متطلبات العمل العربي الاقتصادي خلال المرحلة القادمة و مقترحات الشارع الاقتصادي العربي لعرضها على القمة العربية المزمع عقدها قريبا بعد تأجيل القمة التونسية لاجل غير مسمى.. التقينا السفير جمال محمد البيومي الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب في هذا الحوار
* كيف تسير حركة المتغيرات الدولية ؟
- المتغيرات صارت تنشط في دائرتين : الدائرة العالمية و يسودها تراجع الحدود السياسية بين اعضاء التكتلات والاخذ بالحرية السياسية والنظم الديمقراطية بمختلف اشكالها والانفتاح على الاقتصاد العالمي ووظفت مؤسسات التمويل الدولية ( الصندوق والبنك ) ومنظمة التجارة العالمية كأدوات للعمل الاقتصادي العالمي متعدد الاطراف مع محاولات لتهميش الامم المتحدة في حل المنازعات الدولية .
والدائرة الاقليمية وفيها السعي لبلوغ درجة من العلاقات الاقليمية لاتوفرها منظمة التجارة العالمية وظهر النظام الاقليمي في صورة تطوير للنظام متعدد الاطراف في اغلب الاحيان او في صورة الخروج عليه في احيان اخرى .
وقد وفرت منظمة التجارة العالمية الحد الادنى لتطوير التجارة الدولية في اطار شرط الدولة الاولى بالرعاية لكنها اخفقت على مدى اجتماعاتها الاخيرة في سياتل والدوحة وكانكون في تخطي ماوصلت اليه نتائج جولة اورجواي عام 1994 ولم يعد امام الدول العربية والنامية لتحقيق مصالحها الذاتية الا سبيل تعميق علاقاتها البينية في اطار تكتلاتها الاقليمية .
* وما هي متطلبات العمل العربي في الفترة القادمة ؟
- لقد أولت الدول العربية - منذ مطلع عقد الخمسينيات - الاهتمام بالتعاون الاقتصادي لارتباطه بأهداف التنمية ومصالح الامن المشترك وطوال النصف الثاني من القرن العشرين و عقدت العديد من الاتفاقيات وانشئت عشرات المؤسسات العربية .
ويتطلب العمل الاقتصادي العربي المشترك - في المرحلة الراهنة - الانطلاق الي افاق اوسع واعمق تتخطى اقامة مناطق التجارة الحرة الى بناء نظام اقتصادي عربي فعال على اساس نسق وانظمة اعمق من التجارة السلعية وتشمل قطاعات اخرى للتعاون مثل الخدمات والاستثمار والمصارف والتكنولوجيا والمعلومات والنقل والاتصالات والسياحة والتعمير بجانب التكامل الصناعي والزراعة وعلاج الفجوة الغذائية والبحث العلمي و حق الانتقال للمواطن العربي في ارجاء وطنه الاكبر بسهولة وباحترام يليق بالعرب في اوطانهم .
* في القمة العربية السابقة اتفق القادة على إلغاء الرسوم الجمركية كليا بين دول المنطقة اعتبارا من يناير 2005 .. ما رأيك في هذة الخطوة ؟ و ما هي السياسات التي تتدعم التكامل العربي ؟
- هي خطوة غير مسبوقة في العمل العربي يمكن ان تحقق فوائد اكبر اذا اتجهت الدول العربية نحو مجالات ابعد واعمق بجانب دعم سياسات الاصلاح وتحرير التجارة المكملة للاتفاقية ومن بينها : تنسيق السياسات الاقتصادية والتجارية والنقدية لخدمة العلاقات البينية .
وتفعيل نظم وآليات فض المنازعات الخاصة بالتجارة والاستثمار , وقيام هيكل تنظيمي مستقل بالامانة العامة لمتابعة سير الاتفاقية , و تبني انماط للتعاون بسرعات واهداف متعددة تتوافق وقدرات الدول الاعضاء .
وتحديد مواقف الدول التي لاتحقق الحد الادني من التزامات الاتفاق .
* بم تفسر قصور التجارة البينية العربية رغم تعدد الاتفاقيات التي تشجع على تنمية هذه التجارة ؟
-يرجع تواضع نسبة التجارة البينية العربية الي صغر أحجام قواعد الصناعات العربية وعدم تنوعها من جهة و غيبة المعرفة بأحوال الاسواق وما توفره من جهة اخرى والسبب الأهم لقصور التجارة البينية العربية هو ان الدول العربية لاتنتج اغلب احتياجاتها بالقدر الكافي فتلجأ للاستيراد من خارج العالم العربي , واهم ثلاثة بنود تستوردها الدول العربية , لاتنتجها بقدر احتياجاتها وتسبب الفجوة الاساسية بين الاستيراد والتصدير هي : الآلات والمعدات ومعدات ووسائل النقل و الغذاء النباتي والحيواني والسمكي والدهون والزيوت .
ويمثل الفارق بين صادرات وواردات هذه المنتجات نحو 50% من الواردات العربية وبهذا تتضح حقيقة ان الهدف يجب ان يكون تنمية وتنويع الانتاج بجانب هدف تيسير التجارة السلعية .
ويعتبر البترول ومنتجات الصناعات المعدنية تمثل اهم الصادرات وهي منتجات متوافرة لأغلب الدول العربية خاصة بعد الاكتشافات البترولية في كل من مصر واليمن والسودان وسوريا وصار معظم ما يصدره العالم العربي منتجات متوافرة لأغلب دوله ويتطلب الامر التركيز على قضايا التنمية والتكامل وتنويع الانتاج بجانب فتح الاسواق .
وتؤكد الدراسات انه بالرغم من تشابه هياكل الانتاج العربية فإن التجارة البينية تعتبر في حدود المتوقع وفقا للاوضاع الراهنة لمستويات الناتج المحلي وحجم القواعد الصناعية والسكان وتوصلت دراسات اخرى الي ان التجارة بين الجزائر والمغرب وتونس والسعودية ومصر والاردن وسوريا والسودان صارت اكبر من المتوقع بعد سنه 1990 نتيجة لزيادة الصادرات والواردات البينية عن المعدلات المتوقعة ونجحت دول مثل تونس والمغرب والاردن بصورة نسبية في زيادة الصادرات بشكل ملحوظ في العقدين الاخيرين بالتنوع والحد من العوائق وتخفيف الصعوبات البيروقراطية وتكلفة التجارة .
* هل الاتفاقيات العربية حققت نجاحا خلال السنوات الماضية ؟ وما هي الرؤية الشاملة لبناء اقتصاد عربي ؟
-حققت اتفاقات التجارة العربية نجاحا محدودا ويتطلب الامر تبني رؤية شاملة لبناء نظام عربي يتجاوز عقد اتفاقيات ذات اثر افقي محدود فمناطق التجارة الحرة وإلغاء الرسوم الجمركية قد لايحقق وحده الغرض ويؤدي الى عملية تحويل مكلفة للتجارة وهي ادوات لفتح الاسواق وحفز القدرة التنافسية وليست وسيلة للانتاج بالكميات والجودة المطلوبة ففكر التكامل الاقتصادي يقوم في اطار يشمل سياسات الاصلاح في الداخل وفتح الاسواق في الخارج .
ولابد للرؤية الشاملة لعمل عربي متكامل ان تمتد نحو مجالات التعاون العربي التي تحقق تبادلا بينيا يتفوق على نتائج تحرير التجارة السلعية مثل تحرير الخدمات التي تتمتع بوضع افضل نتيجة حركة الانسان العربي التي تغذي خدمات النقل والموصلات والاتصالات والمصارف والسياحة وغيرها كما ان الدول العربية وفرت اكبر سوق لحركة العمالة العربية البينية كما يعد رأس المال العربي اكبر مصدر للاستثمار في الدول العربية وكلها مجالات جديرة بكل جهد .
ويؤكد ذلك الحاجة الى مشاركة عربية شاملة تغطي مجمل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بدءاً بالدول القادرة بمعايير القوة الشاملة والمؤهلة بقبول قواعد ومشروطية قيام التجمعات الاقليمية والراغبة في تحمل مسئولية الدخول في التجربة ويشمل ذلك تحرير تجارة الخدمات وحركة الافراد ورأس المال وقيام الابحاث العلمية والصناعية المشتركة ويسمح بأشكال من التعاون والتكامل تتلاءم مع ظروف الدول في كل مرحلة وتحقق المزيد من المرونة التي توفرها مجموعة متكاملة من الاتفاقيات والآليات العربية الملائمة وفق قدرات واستعدادات الدول العربية فالحاجة تزداد لدعم اسس التعاون الاقتصادي في قطاعات اخرى غير التجارة لكنها لازمة لنموها في المستقبل .
ويحتاج ذلك للاتفاق على سياسات حافزة للتكامل وتحقيق معدلات عالية للنمو , وتشجيع المنافسة وتحرير التجارة , والتكامل الصناعي .
وإيجاد مناخ استثماري أفضل , وتحرير قطاع الخدمات وتطوير القطاع المالي واستخدام اتفاقيات التجارة كقاطرة لمساندة الإصلاحات الداخلية , والتعاون في تبادل المعلومات والمعارف والبحوث العلمية المشتركة .
* ما هي مقترحاتك في شأن العمل العربي المشترك التي تحب ان يتبناها القادة العرب في قمتهم القادمة ؟
-القمة العربية هي أعلى مستويات صنع القرار العربي والقادرة على تطوير بنائه المؤسسي , وتحديد توجهاته , وسياسات منظماته , والتعبير عن المواقف العربية من القضايا الخارجية , ولقد استحوذت الأحداث السياسية والتهديدات الأمنية علي أغلب أوقات القمم ونشاطاتها . وصار الملف الاقتصادي والاجتماعي بحاجة لوقت أطول وعناية أكبر .
وفي هذا الشأن نتوجه برجاء إلي القمة المؤجلة لكي تتبنى المقترحات التالية : بالنسبة للقمة العربية عقد قمة اقتصادية استثنائية عربية في منتصف المدة حتي القمة التالية .
للنظر في الشأن الاقتصادي المشترك , وتقييم ما وصل إليه , ومناقشة معوقات التقدم , والتوجيه في شأن الخطوات القادمة لمواجهة المعضلات والعقبات الفنية والبيروقراطية .
والنظر في انعقاد القمة في المرحلة القادمة بتواتر أكبر , مرتين في السنة لكي يأخذ الشأن الاقتصادي والاجتماعي حظه من التوجيه السياسي رفيع المستوى. وتشكيل لجنة متابعة وتسيير ثلاثية تنبثق عن القمة , من الرئاسة الحالية والقادمة والأمين العام , ليتم التواصل بين الرئاستين وتبني جدول أعمال مبكر , بالتنسيق مع الدول العربية .
|