يفرض ما يجري في العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرهم من دول العالم الإسلامي جميع أشكال التضامن والتآخي والتآزر بين المسلمين ووجوب نصرتهم لإخوانهم المضطهدين. وهذا حق طبيعي ليس لأحد مصادرته إذ إن من قوانين هذا الكون التي فطر الله الناس عليها أن جعل روابط قوية بين أبناء القومية الواحدة وأتباع الديانة الواحدة تحفزهم على التضامن ونصرة بعضهم بعضاً. وفضلاً عن ذلك فالأخوة بين المسلمين بكل ما تقتضيه واجب شرعي ثابت بأدلة قطعية من الكتاب والسنة. وما قد يترتب على الأخوة بين المسلمين يختلف بحسب الظروف والأحوال وبحسب الأشخاص وقدراتهم، لكن الجميع مطالب بأداء هذا الواجب على قدر استطاعته. ويتداخل واجب الأخوة الإسلامية أحياناً مع واجب إنكار المنكر أيضاً.
ومن الطبيعي أن يكون لهذين الواجبين الشرعيين تطبيقات متنوعة سياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية واجتماعية وغيرها.
وعند الحديث عن التطبيقات الاقتصادية لمفهومي الأخوة الإسلامية والتضامن بين المسلمين وإنكار المنكر في ظل الظروف الحالية التي يمر بها المسلمون يبرز بشكل واضح تطبيقان رئيسان، أولهما المقاطعة الاقتصادية لأعداء الأمة والمحاربين لها والآخر الدعم الاقتصادي والمالي للمضطهدين والمضيق عليهم والمجاهدين من المسلمين.
وفي هذا الإطار فإن المقاطعة الاقتصادية ليست مجرد الامتناع عن شراء السلع الأمريكية والبريطانية واليهودية بل التوقف عن التصدير لهذه الدول، والامتناع عن الدخول معها في مشاريع مشتركة أو السماح لشركاتها بالاستثمار في بلاد المسلمين أو تمويل المسلمين لمشاريع تقام فيها. بالإضافة إلى مقاطعة العلامات التجارية المملوكة لشركات تحمل جنسيات هذه الدول حتى ولو كانت منتجاتها تصنع محلياً أو في دول إسلامية. كما ينسحب مفهوم المقاطعة أيضاً على التعامل المباشر مع الأفراد من هذه الدول من غير المسلمين سواء في البيع والشراء أو التأجير والاستئجار أو توظيفهم والعمل لديهم إلى غير ذلك من صور التعامل المباشر.
ولا يشترط في ممارسة المقاطعة الاقتصادية أن تلحق الضرر بالطرف الآخر، فهي شكل من أشكال حرية التعبير عن الرأي والذي تدافع عنه مجتمعات الدول الغربية بل وجاءت بعضها بجيوشها لتمنحه للشعوب المحرومة منه. إذ إن حق التعبير عن الرأي بحرية لا يقتصر على القلم واللسان بل إنه يأخذ أشكالاً متعددة مثل ربط شرائط حمراء أو سوداء أو صفراء على أبواب المنازل والمحلات والسيارات وأعمدة الإنارة، ومثل إضاءة أنوار السيارات في وضح النهار وفي يوم مشمس، وفي أحيان أخرى يأخذ شكل الوقوف دقيقة صمت - وربما سنوات صمت حينما تستدعي الظروف-، وأحياناً شكل المظاهرات والإضرابات.
وعلاوة على كون المقاطعة الاقتصادية شكلاً من أشكال التعبير عن الرأي فإنها ربما تكون واجباً شرعياً يأثم الشخص بتركه متى كان قادراً على فعله. ويأتي هنا دور الفقهاء في بيان حكمها الشرعي المبني على تصور واضح ورؤية سليمة لمختلف جوانب المسألة أخذاً في الاعتبار أن التعامل الاقتصادي والمالي مع من يحارب المسلمين يدعم هذه الحرب مالياً وربما دعمها مباشرة وذلك حينما يوفر للمحارب ما يحتاجه من سلع وخدمات في هذه الحرب.
ومفهوم المقاطعة الاقتصادية والمالية مفهوم قديم في التاريخ الأمريكي نشأ وترعرع معه ابتداءً من ممارسته مع الهنود الحمر ثم مع السود إلى التطبيقات الأمريكية المعاصرة له. والتي منها التصرف في المزايا التفضيلية التي تمنحها الولايات المتحدة الأمريكية لصادرات الدول النامية على أنها أداة ضغط على الأخيرة لإجبارها على تبني مواقف مؤيدة للأولى في قضايا معينة، ومنها الحصار الاقتصادي والمالي الشامل على دول معينة، وما تمارسه بحق الجمعيات الإغاثية من مضايقات ونشر للفقر والجوع والمرض بين المسلمين بسبب ما تسميه تجفيف مصادر الإرهاب المالية. هذا بغض النظر عن المقاطعة التي تمارس على المسلمين الذين يعيشون في بعض الدول الغربية ومنشآتهم فربما منعوا من الاستئجار في أماكن معينة أو رفضت طلباتهم للعمل أو البيع أو الشراء وهذا على سبيل التمثيل لا الحصر.
|