في صفحة مدارات شعبية في صحيفة (الجزيرة) أثار الكاتب الكريم زبن بن عمير بتاريخ 29-1- 1425هـ تحت عنوان (من بقايا الأمس) قضية على درجة كبيرة من الأهمية تتصل بحقيقة بعض المعلومات التاريخية في تاريخنا المحلي فقد كتب عن حادثة خروج عبدالله بن رشيد مغاضباً من حائل قبل تسنمه حكمها، وأشار إلى أحد مرافقيه وهو حسين الذي كان محل الاختلاف، وكذلك زوجته التي أصرت على الخروج معه وهي حامل، وأورد الكاتب قصيدة مشهورة ومؤثرة لعبدالله بن رشيد تبين معاناة زوجته وتعويله على صديقه حسين في الاهتمام بها.وقد رد على هذه المقالة - حسب علمي- اثنان من المهتمين بمثل تلك الروايات وهما ناصر المسيميري، وعلي الحبردي ، وأثارت ردودهما تناقضات في الرواية الأصلية التي أوردها ابن عمير، وتوضيحاً حول شخصية حسين وزوجة عبدالله بن رشيد، واتضح من الردين الاختلاف وعدم الاتفاق على شخصية حسين، وكذلك عدم الاتفاق على اسم زوجة عبدالله بن رشيد.
لقد أثارت تلك الردود شيئاً مما يعتورتاريخنا المحلي من خلل وضعف في الرواية الشفوية المتواترة، والأهم غياب الكتابة التاريخية الموضحة للمؤرخين إذ مازالت هناك الكثير من الثغرات في الأحداث التاريخية التي لم تتضح حتى الوقت الراهن.والأمثلة كثيرة ومتعددة على سياق الرواية السابقة، من اختلاف الرؤى حول بعض الأحداث والشخصيات والتواريخ وغيرها.
وكان محمد جلال كشك قد أشار إلى هذه القضية في كتابه (السعوديون والحل الإسلامي) إذ كتب بطريقته الساخرة ما يوحي بعدم الاهتمام الذي أولاه الناس المهتمون بالأحداث وقتها مما أدى إلى ضعف الرواية لدينا.
وكمثال: نورد ما كتبه كشك عن ليلة استعادة الرياض على يد الملك عبدالعزيز إذ أورد كشك الروايات المتضاربة والمتناقضة عن تلك الليلة فكتب ضمن تعليقه على تفاصيل أحداث تلك الليلة حسب روايات المؤرخين مانصه:
(طرق عبدالعزيز باب جويسر راعي البقر. ورفضت النسوة فتح الباب... ولكن عبدالعزيز يلح ويهدد بانتقام أمير البلد، فيفتحن الباب وتعرف شخصية الطارق... هكذا لابد أن يتم المشهد، حيث ادخلهن غرفة وأغلق الباب، فجلسن هادئات ساكنات لم يسمع لهن صوت خلال الخمسين عاماً التالية، أما راعي البقر فقد اختفى تماماً من التاريخ. وإن كان الزركلي الذي تعد روايته أحفل الروايات بالأسماء والتفاصيل، قال: إن جويسر هرب واختبأ في ضلع البديعة، ولم يرد عبدالعزيز.. وكان جويسر -على رواية حمزة -لا يزال حياً حتى عام 1935-1354هـ على الأقل ولكن ما من أحد كلف خاطره بمقابلته)..
ونص آخر:-
(الزركلي انفرد بإيراد الاسم الثلاثي (عجلان محمد العجلان) الحائلي ... وهي بيانات كافية لاستخراج جواز سفر أو بطاقة ركاب مرجع من الخطوط السعودية، ولكنها لاتفيدنا في التعريف على شخصيته، كذلك عرفنا أن زوجة عجلان هي(لؤلؤة بنت ابن حماد) ونقل عن عبدالعزيز قوله: (إن أباها وعمها كانا من خدامنا) وأنها مازالت تعيش إلى وقت تأليف الكتاب (1950-1369هـ) أو نشره (1977-1397هـ) لا أحد يدري، أطال الله عمرها إن كانت حية، ورحمها الله إن كانت قد لحقت بأبطال الملحمة.. يكفيها فخراً أنها استطاعت أن تتجنب فضول الصحفيين، وإغراء الناشرين، فلم تكتب مذكراتها عن ليلة المصمك، ولا واجهت سؤالا سخيفاً عن شعورها بعد مقتل عجلان).
يظهر من تعليق كشك، ومن النصوص التي أوردها المشرف على صفحة مدارات شعبية وقوع الاختلاف الذي يؤدي إلى ضياع الحقيقة، وهو ما يتطلب منا الاهتمام فعلياً بالتدوين الشفوي، والتدقيق بمن يُختارون لهذا الأمر، والأهم تكثيف الجهد لحصر الروايات المتضاربة لدراستها والخلوص إلى الحقيقة.
|