Wednesday 21st April,200411528العددالاربعاء 2 ,ربيع الاول 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مركاز مركاز
حديث الحفر
حسين علي حسين

حتى وقت قريب كان من يتعرض للكتابة عن (الحفر) المادية والمعنوية، يعد كاتباً مذموماً، فهو مثل من يكتب عن القضايا أو المشاكل الهامشية التي قد لا تهم أحداً، يحدث ذلك والحفر فازت منذ القدم بالعديد من الأمثال، وأشهرها ذلك المثل الذي يقول (من حفر حفرة لأخيه وقع فيها!) وإن كان هذا المثل من الممكن أن يقلب على عدة وجوه، إلا أنني كمواطن كم تمنيت أن يذوق ألم السقوط في حفرة مَن حفرها وتركها عارية دون سبب، وهؤلاء للأسف كثر، فالحفر تعدد آباؤها وتعدد المتبرئون منها!
لكن السؤال الذي يطرح هنا: لماذا الحفر؟ أليست هناك حلول تكفينا شرها، وتحفظ على من يسير في الأمسيات الربيعية في شوارعنا الفسيحة راجلاً سلامته، أو تحفظ على سيارة سائق غلبان سيارته، حين تفاجئه وقد طق الطبلون كله أو نصفه، فتتسبب إما في هلاكه وإما في هلاك سيارته، وهو يعرف ونحن نعرف كذلك، أنه لن يجد من يعوّض أولاده عن حياته، أو يعوّضه عن سيارته، لأن البلدية أو وزارة النقل أو المرور أو الهاتف، هؤلاء - في مثل هذه الحالة - نتمنى أن يذوقوا ألم السقوط في حفرة، بشقيه المادي والمعنوي!
ما الذي جعل حكاية الحفر تطن مثل الذبابة الدائخة في دماغي وأمامه؟ لذلك حكاية طويلة، أولها أنني منذ زمن طويل وأنا أنوي الكتابة عن الحفر الكثيرة، التي تملأ وجوه الشوارع وقلوب بعض الناس، لكنني أتراجع مجبراً، خوفاً من أن يقال عني بعد مقالة أو مقالتين إنني كاتب حفر، فأؤجل الأمنية مرغماً، وقد حانت الفرصة لتحقيق هذه الأمنية، فلم يعد في العمر أكثر مما ذهب.
الثانية، والتي حفزتني أكثر، الشجاعة التي تحلى بها رئيس تحرير صحيفتنا الأستاذ خالد المالك حين تحدث ذات مساء عن طغيان الحفر في شوارعنا دون مبرر، وعن الترقيع الذي باتت تعيشه هذه الشوارع، حتى أصبحت كرأس رجل أصلع، زرع شعراً جديداً، فنبت في جوانب وظل أقرع في جوانب أخرى، لكن خالداً لم يتطرق لحفر النفوس، فقد كانت محاضرته في مكتبة الملك عبد العزيز فرع المربع عن المدينة السعودية، وليس عن الإنسان، ذلك الذي ينشط أحياناً في خط مواز لمهندسي الشوارع، في حفر الحفر لإخوانهم. خالد المالك كان شجاعاً في ذلك المساء، فلم يخش أن يوصم بكاتب الحفر والمطبات - مثلما خشيت وخشي أغلب كتابنا - عندما تحدث عن حفر الشوارع، هذا شجعني كثيراً، ومع ذلك فقد انتظرت كما ترون بضعة أشهر، لأفضفض بما في نفسي عن الحفر!.
والآن: لماذا مدننا دون المدن كافة حافلة بالحفر والمطبات الصناعية، شارع جميل وعريض ولامع، لا يتم شهراً حتى يحفر، مرة من قبل الهاتف، ومرة من قبل الكهرباء، ومرة المجاري، وهكذا أصبح لكل مصلحة حصة من الحفر، وكل حفرة تلعن أختها، يحدث هذا ونحن في الدول كافة التي نزورها لسنوات طويلة لا نلحظ من يحفر، إذاً هؤلاء كيف مددوا للهاتف والماء والكهرباء؟ وكيف لم يحتاجوا ولو من باب الفضول إلى حفر جديدة؟
هل زرتم القاهرة، بيروت، دبي، باريس، لندن، أمريكا؟ هل لاحظتم وعلى مدى سنوات حفرة جديدة في شوارعهم؟
لقد زرت مدينة جديدة في بلد عربي قبل سنوات، كان البناء في هذه المدينة الساحلية على قدم وساق، حين سألت صديقي: متى تأتيكم الخدمات؟ فقال ببساطة: إن الخدمات كافة موجودة قبل أن يدق أحد مسماراً في الأرض: الماء والكهرباء والهاتف والغاز، كل شيء كامل في مدينة جديدة!
أرجو أن نجد من يفسر لنا سبب العمل في الشوارع الذي لا ينتهي، هذا العمل الذي نهدر فيه الملايين من الريالات، لا تخسرها الدولة فقط، ولكن يخسرها أصحاب المركبات، ويخسرها من يسقط في حفرة من هذه الحفر أو يصطدم بمطب من هذه المطبات التي تنتشر بطريقة عبثية في كل شارع.. لماذا نحن دون الجميع مغرمون بعمل كهذا؟!
ولن أكتب مرة أخرى عن حفر الشوارع ومطباتها، وإن كنت سأكتب مستقبلاً عن من يحفرون حفراً لأصدقائهم وأحبابهم، وهم أكثر كثيراً من المسؤولين عن حفر الشوارع، الذين يخططون للحفر وينامون هانئين، في الوقت الذي تفتح بعض الحفر فمها الواسع، لتبتلع إنساناً أو مركبة، وفوق ذلك كله الملايين التي تحتاج إليها العديد من المصالح، للحفر والدفن والسفلتة!.

فاكس: 4533173


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved