كم ناضلت من أجلك يا حبيبي.. كم تعذبت.. كم سهرت الليالي.. ووضعتك في حجري وغنيت لك أعذب الأغاني لتنام وترتاح.. وأنا ارمقك بعين الحب والغبطة والسرور، يا حبيب القلب ويا فلذة الكبد يا ولدي يا من رآك قلبي قبل ان تراك عيني.. يا من ضحيت من أجلك بكل شيء.. حتى بشبابي ومالي..
لقد تعذبت كثيرا من اجلك عندما مات أبوك وتركك لي وانت طفل تحبو وأنا لا أملك من الأمل ما يدفعني على الزواج مرة ثانية وهل سأجد رجلا مثل أبيك في هذه الدنيا.
يا بني سأشرح لك كل شيء.. سأقص عليك قصة حياتي كلها وكن قاضيا عادلا.. لقد نشأت في اسرة كريمة عريقة وانت تعلم هذا علم اليقين.. وتربيت في كنف رجل صالح من خيرة رجال الدنيا، وأم مثالية الخلق وقد ربياني خير تربية وتعلمت القرآن والأعمال البيتية التي اهلتني لاكون زوجة ناجحة وام بارة.
ومرت الأيام واذ (بمشعل) ابن عمي يسمع عني وعن جمالي ورشاقتي وميزاتي الكثيرة فتقدم خاطبا لي الا ان والدي رحمه الله رفضه لما بيننا وبين عائلة مشعل من خصام قديم..
ومرت الايام.. واذا بمشعل يتودد امي بشتى الطرق والاسباب تارة يرسل لي اخبارا مع فتيات العائلة ونسائها وتارة يركب فرس وبتمشى في حارتنا.. ولا اكذبك با بني انني احببت اباك (مشعل) حبا جما.. لقد احسست بهذا الخفاق الصغير الذي يسمونه القلب لأول مرة في حياتي.. احسست بنبضاته وخفقاته مرات ومرات.. كنت لا أعرف الراحة في النهار.. ولا أعرف النوم في الليل..
وتقدم مشعل وطلبني مرة ثانية وتوسط كبير العائلة وتوسطت دموع امي وتوسلاتها مما اضطر ابي الى الموافقة ولله الحمد وانتهى الخصام في العائلة وجمع شملها من جديد وربطت أواصرها مرة اخرى وعادت أحسن مما كانت عليه.
وفي فرح كبير ضم القريب والبعيد.. والعدو والحبيب تم زواجي من (مشعل) وعشنا احلى أيام العمر كأننا في حلم جميل حسبت انه لن ينته ابدا.. كانت تمر السنة كالشهر والشهر كالاسبوع والاسبوع كاليوم واليوم كالساعة...
وهكذا دائما ايام السعادة تمر بسرعة خاطفة، وأيام الشقاء تمر ببطء قاتل.
يا بني (يا عبدالله) كم فرحنا بقدومك فكنت خلاصة حبنا وزهرة لقائنا، لقد زدت سعادتنا سعادة وحبنا حبا.
ولكن القدر القاسي علينا أنا وأنت اخذ اباك منا.. كم حزنت على فراقه وكم تألمت ولكنني تجملت بالصبر.. وحاولت أن أنسى وركزت كل اهتمامي عليك، فقد ساعدتني كثيرا على احتمال المشاق والحزن وكنت أرى فيك ملامح العزيز الراحل.
وتقدم الكثيرون لخطبتي.. الا أنني رفضت لانني ما اردت ان اخدع احدا.. واتزوج وانا جسد بلا قلب بل بلا روح.. لقد شعرت بأنني اصبحت شبحا وركزت كل اهتمامي عليك يا حبيبي يا ولدي يا عبد الله وربيتك احسن تربية وعلمتك وثقفتك واهتممت بك، وها انت قد اصبحت الان رجلا تحتل مركزا مرموقا ..الآن وبعد أن زوجتك لتقر عيني بك وبزوجتك واولادك شعرت بمعاملتك تختلف معي قليلا وقد بدأت أخاف من المستقبل قد يكون طويلا.. وقد اعيش كثيرا وقد لا يكون.. ولكنني خائفة.
يا حبيبي يا ولدي تبصر لامور وتذكر أمك التي ضحت بكل شيء لاجلك.
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.
صدق الله العظيم
|