بعد أن تجاوز العالم بداية عام 2000م دون حدوث كوارث تقنية رئيسية برز تساؤل حول حقيقة مشكلة عام 2000م في الحاسبات الآلية، فهل كانت أمراً افتعلته الدول المتقدمة وشركات الحاسب الآلي لجني الأرباح من عمليات تعديل الحاسبات الآلية وبرامجها؟ أو هل تم تجاوز المشكلة بنجاح باهر؟
والحقيقة أن عدة جهات جعلت من الأعطال المحتملة بسبب مشكلة عام 2000م أعطالاً مؤكدة وهولت حجم الكوارث والخسائر التي ستنجم عن تعطل وارتباك الحاسبات الآلية، فشحنت نفوس الناس بالمخاوف وتهيؤوا لمعايشة أيام صاخبة ومليئة بالمشاكل في بداية عام 2000م ، ولكن عدم حدوث المتوقع لا يعني أنه لم تكن هناك مشكلة فعلية وليست مفتعلة.
فالدول المتقدمة هي التي اكتشفت المشكلة وسبقت غيرها من الدول في تعديل حاسباتها الآلية وبرامجها بتكاليف مادية تزيد كثيراً عما أنفقته غيرها من الدول، بالإضافة إلى أن الحكومات لديها خبراء حاسب آلي قادرون على تحديد الحجم الحقيقي لادعاءات شركات الحاسب الآلي المتعلقة بمشكلة عام 2000م ، لذلك لم تنجرف الحكومات كما الأفراد مع الهالة الإعلامية للمشكلة.
وقد يأخذ البعض على الإجراءات الاحتياطية التي أخذت أثناء فترة التحول إلى عام 2000م ، وأن تلك الإجراءات كان مبالغ فيها، ولهؤلاء أقول إن العقل البشري قاصر مهما بلغ من العلم، والدليل القريب على ذلك هو مشكلة عام 2000م نفسها، فالعقول علماء الحاسب الآلي لم يفطنوا لهذا المشكلة العظيمة إلا بعد عشرات السنين من اكتشاف الحاسب الآلي.
لذلك بعد فحص الحاسبات الآلية وبرامجها بعد تعديلها لتلافي مشكلة عام 2000م لم يطمئن المختصون إلى أنهم شملوا جميع الاحتمالات التي قد تحدث عند تحول التاريخ إلى 1-1- 2000م، وبالتالي كان لا بد من وضع إجراءات دقيقة وشاملة لتلافي أي مشكلة بسبب احتمال قصرت عنه عقول المختصين.
وخلاصة القول في حقيقة مشكلة عام 2000م هي أنه لولا الله عز وجل ثم الأموال الطائلة والجهود المضنية التي بذلت لتلافي المشكلة لحدثت كوارث تقنية كبيرة خاصة في الدول المتقدمة التي تعتمد كثيراً على الحاسبات الآلية في تسيير أمور الحياة اليومية فيها، ولبرزت مشاكل أقل حجماً وتأثيراً في الدول الأقل اعتماداً على الحاسبات الآلية.
لذا يجب الحذر من تفسير نجاح تلافي مشكلة عام 2000م بأنه لم تكن هناك مشكلة في الأصل، لأن ذلك سيؤدي إلى التقاعس عن التعامل بجدية مع أي تحذير من مشكلة فنية في المستقبل. والدرس المهم الذي يجب أن نستوعبه من نجاح نشاطات تلافي مشكلة عام 2000م هو أن التطورين العلمي والتقني أديا إلى ترابط العالم فنياً وبقوة، فالحدث في إحدى بقاع الدنيا ينتشر تأثيره بسرعة هائلة إلى بقية المعمورة، وهذا الترابط يفرض على الجميع التنسيق والتعاون مع الآخرين، وقد تجسد هذا الواقع في التعاون الوثيق الذي تم بين دول العالم لمتابعة تطورات مشكلة عام 2000م عبر وسائل الاتصالات والإعلام المختلفة.
المقدم المهندس الركن-محمد بن سعود الخطيب |