Monday 19th April,200411526العددالأثنين 29 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
كيف تصبح مديراً ناجحاً؟!
عبدالله بن بخيت

بعد سنوات من تعلم الشيء نفسه عشرات المرات أصبح مديراً بكل المقاييس التي تتطلبها وظيفته، الساعة السابعة والنصف بالضبط على مكتبه ، وفي تمام الساعة الثانية والنصف يقفل ماصته ومكتبه، لا يغادر مبنى الوزارة دون أن تكون الجرائد تحت إبطه، تأكد أنه مدير بصفة نهائية عندما قررت إدارة العلاقات العامة أن تخصص له مجموعة كاملة من الجرائد بما في ذلك جريدة أم القرى، لا يقرأ كل الجرائد ولكنه يقتنيها، من الصعب أن يفهم الفرق بين اقتناء الجرائد وبين قراءتها من هو خارج ثقافة العمل الحكومي، يأخذها إلى البيت ويقلبها قبل الغداء ويقلبها قليلاً بعد الغداء ، ثم يتثاءب فيعد نفسه بقراءتها كاملة بعد العصر، ولكنه لم يفِ بوعده هذا إلى ان فوجىء بيوم التقاعد، لا يعرف من الذي سن سنة الجرائد في الدوائر الحكومية، بعد أن رقي إلى رئيس قسم وبدأ مشوار قيادة البشر تذكر ان كل المديرين يأخذون الجرائد تحت آباطهم عند الانصراف، فقاتل ووسط وتحايل ليأخذ نصيبه منها، خيَّروه في البداية بين جريدتين ثم أعطوه ثلاثاً وهكذا تزايد عدد الجرائد حتى اكتمل نصيبه منها بما فيها مجلة الشرق، عندما تقاعد لم يأسف ان الجرائد انقطعت من حياته، لأنها لم تكن في حياته سوى عدة لوظيفة لن يعود إليها أبداً.
أجمل أيامه في الوظيفة أيام الطائف عندما كان يذهب مع مكتب معالي الوزير إلى الطائف كان يترك عائلته في الريا، ربما كانت تلك الأيام هي سبب بقائه على قيد الحياة متفتح الآمال والأماني، كانت خروجا ثوريا على نواميس حياته اليومية: عزوبية وطبخ وشوي وخروج إلى القهاوي في الردف وضرب فول وتميس في برحة ابن عباس، كما شاهد أول فيلم سينمائي في حياته في أحد النوادي الرياضية هناك، لا يعيده إلى نمط حياته العادية إلا صباح العمل وموظف في سنه تقريبا تكرر وجهه حتى شاخا معا. لو كانت كل الحياة كما خبرها في الطائف لاختلف أمره في هذه الدنيا. ولكن الخيرة فيما اختاره الله.
بقيت فكرة الزواج من امرأة ثانية تراوده سنوات كثيرة إلى أن داهمه مرض السكر فأقلع عن الفكرة من الناحية العملية خشية مواجهة امرأتين بقدرات سيهدمها السكر لا محالة، ولكن هذه الأمنية وهي أثقل الأماني الرازحة في قلبه بقيت بين الموت والحياة تزاحم الأحلام الكثيرة التي لم تتحقق أبدا، تنهض من سباتها متثاقلة كلما شاهد امرأة شابة تعبر الطريق. كان يحب زوجته مثلما أحب الأشياء التي لا يستطيع أن يستغني عنها، وهذا الحب كفل لزواجه الاستمرار والديمومة؛ حيث أسهم الروتين الممل الذي تعلمه في الوظيفة في جعل بيته يتميز بالثبات والهدوء العائلي، تناسل ابناؤه واحدا اثر الآخر بهدوء دون مشاكل كأنهم جاءوا إلى هذه الدنيا تأكيدا لحياته الوظيفية، كبروا ثم تزوجت البنت الأولى ولحقت بها الثانية ، ويفكر في تزويج الولد الكبير قريبا ولا يعرف لماذا هو مستعجل على هذه الترتيبات العائلية. ولكن وجوده متقاعدا بدون مواهب أو اهتمامات يقلقه كثيرا.
(إذا لم يكن لك شغل ولا يستفاد من وجودك ارحل) صرخ بهذه العبارة في وجه أحد موظفيه، فقالها في لحظة تجلٍ فلسفية في زمن الاستغراق الكامل عندما كان في منتصف العمر. بدأ يتذكرها بعد التقاعد ولكنه يتذكرها أكثر كلما جلس وحده أو شاهد ابنه الصغير راشد الذي التحق قبل سنتين في إحدى الوزارات بشهادة الثانوية العامة علمي بتقدير عام جيد جدا.

فاكس 4702164


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved