أضحى يلوح في الأفق حالياً، أصوات متعددة في الرأي ووجهة النظر، تجاه القرارات الأخيرة المنظِّمة لمشاريع السعودة في البلاد، وأصحاب هذه الأصوات مجتمعة لا تمثِّل مرجعاً واحداً فحسب، كصوت صاحب العمل، حينما كان في السابق الهدف الأوحد والجهة المقصودة بتطبيق مثل هذه القرارات، فقد أصبحنا نسمع أصوات جهات أخرى، ذات مقاصد أخرى أيضاً، وهذه الأصوات تتمثَّل في شخوص المستثمرين في مشاريع الإنشاء والتعمير، وهذه الفئة بدأنا نسمع لها أقاويل يعتقد من خلالها أنها تمثِّل ادعاءات خاصة تجاه قرارات السعودة الأخيرة, والمتعلقة بسعودة أنشطة تجارية متعددة، في إشارة أن ذلك يمثِّل حجر عثرة في مشاريعهم المعمارية, وحجتهم في ذلك، أن الغالبية العظمى المتربعة على تلك الأنشطة المسعودة مؤخراً من العاملين هم من الوافدين فقط, وأن الوافد هو ذلك الشخص على الأقل في المرحلة الحالية القادر على تحمل أعباء ومسؤوليات هذه الأنشطة، وخصوصاً فيما يتعلق بتجارة التجزئة، إما لملاءمة ظروفه الاجتماعية لطبيعة هذه الأعمال من ناحية، وإما في قدرته وخبرته العملية في ذلك من ناحية أخرى، وبالتالي أصبح في وجهة نظرهم أن الوافد هو أساس أهدافهم الاستثمارية، مردفين في القول، إننا حينما نعزم على تشييد محال تجارية فإننا نستهدف هذه الفئة من الوافدين، قائلين نهاية، إنه مع صدور هذه القرارات المنظِّمة لآليات السعودة، فإننا سوف نكون مضطرين للتوقف أو التريث على الأقل نحو تنفيذ مشاريع معمارية جديدة ذات طابع استثماري، لحين معرفة ما سوف تؤول إليه الأمور مستقبلاً - كل ذلك الكلام أتى على لسان بعض من هذه الفئة المستثمرة في مجال العقارات -، والسؤال المطروح هنا: لماذا وبماذا كل هذه الادعاءات، ولماذا أيضاً كل هذا التخوف أو ذلك التحفظ إن صح القول، فهل هذا يعني أن أبناء الوطن لا يمكنهم العمل في هذه الأنشطة التجارية والتربع على هذه المهن المحصورة أخيراً عليهم، أو يعتقد أنه دون المسؤولية، ولهذا حكم عليهم سلفاً بعدم قدرتهم على العمل في هذه الأنشطة، وربما يظنون أيضاً عدم وجود وفاق بينهم وبين أصحاب العمل أولئك المستهدفين في الأصل للانتفاع بتلك المحال، مما يفهم الأمر معه أن تجار هذه الأنشطة لن يمضوا قدماً في التوسع نحو فتح المزيد من هذه الأنشطة التجارية أو حتى الاستمرار في أعمالهم الحالية، والتي لا تتم إلا من خلال استئجار الدور من ملاَّك العقارات، أولئك الذين يتردد على ألسنتهم مناداة تنادي بالتوقف من التوسع في إنشاء وتعمير المباني أيضاً، الواضح هنا أن القضية وطنية في الدرجة الأولى، ولا يمكن للدولة أن تتنازل عن قرار أو آخر لأجل أن المستثمرين في مجال العقارات سوف يعزفون عن بناء مشاريع عقارية، أو أن هناك عزوفاً آخر من التاجر المالك لهذه الأنشطة، سواء بتخفيض مستوى تجارته أو إيقافها، والدولة ترى أن ذلك في مصلحة الوطن، ومن هنا لعلنا نقول إن من حق هؤلاء المستثمرين جميعاً أن يدافعوا عن حقوقهم التي يعتقد أنها تمس مصالحهم، شريطة ألا يكون في ذلك ما يعبِّر عن ادعاءات ذات أهداف شخصية فحسب، لأن مصلحة الوطن مقدمة على الجميع، والحفاظ على الأهداف الشخصية هو حق مشروع لأصحابها، إلا أنه لا يمكن قبولها عندما تتأتى وحدها، وتفادياً لنشؤ مشكلات أو قضايا ربما يطول بها الأمد، وربما نصل إلى طريق لا يخدم الصالح العام، وخصوصاً إذا لم نسمع جاهدين إلى إيجاد حلول سريعة لها، وهنا نرى وجوب إيجاد تنظيم وطني شامل وجاد، يرضي معه كافة الأطراف، ليكون موائماً ومحققاً للمصلحة العامة، وهذا من وجهة نظر يتطلب الأمر معه إحداث نقلة وطنية نوعية تخدم مسيرة العمل والعمال بمفهوم علمي وعملي، بدءاً من تطوير أنظمة العمل وخصوصاً ما يتعلق بنظام العمل الحالي، وانتهاءً بالمتابعة والإشراف لإنجاح ذلك، مروراً بالتأكد من ملاءمة التطبيق العملي في ذلك على أرض الواقع، لأنه ليس من الممكن فرض تنظيم دون أن يكون له قاعدة يرتكز عليها، أو إصدار تنظيم يستحال معه التطبيق، وبالمقابل لا بد من التنازل قليلاً من الآخر حتى تسير القافلة وهي في بدايتها، والجميع لا بد أن يؤمن أننا في بداية مشوار وطني قد يكون صعباً في بدايته، ونأمل أن يكون أفضل تكيفاً ومواءمةً في المستقبل القريب، إنها رسالة وطنية ندعو من خلالها كافة الأطراف للتباحث والتناقش وصولاً إلى قرارات تحقق مصلحة الوطن ومواطنيه، وإننا لنعتبر ذلك أحد بنود أجندة وزارة العمل الوليدة، بعد فصلها مؤخراً عن الشؤون الاجتماعية، والله من وراء القصد.
(*)الباحث في شؤون الموارد البشرية
|