*بقلم عبدالله الحقيل:
الجاحظ هو أبو عمرو بن بحر الجاحظ من ألمع الأدباء وأبرع الكتاب في تاريخ الأدب العربي، وفي حياته صور أدبية عديدة ومحطات كثيرة لا تخلو من إثارة وغرابة.
وقد تعددت وجهات النظر حوله إذ إن عالم الجاحظ عالم ممتلئ وحافل بالعطاء الفكري المتميز، فهو إمام فذٌّ من أئمة الأدب ورائد من رواد البيان، وقد عاش في العصر الذهبي للثقافة العربية، حيث كانت تزخر بالعلوم والآداب والفنون وكان الأدباء لهم نشاط وعطاء ومنافسة في مجال المعرفة والعلم والأدب.. وكان للأدب والأدباء مقام كبير، وقد تألق الجاحظ وتوقدت خواطره وملكاته في شتى المجالات، واطلع على آداب الأمم الأخرى، كالفرس والإغريق، وألف مجموعة من الكتب في ألوان شتى من ضروب المعرفة وألوان الآداب.. يقول فيه المسعودي:(ولا يعلم أحد من الرواة وأهل العلم أكثر منه كتباً).
ولقد حظي بدراسات الأدباء والمفكرين.. ولقد كان همه أن يبتكر ويبدع فهو، فنان بارع يحشد لغته وأدبه بكل طاقاته الإبداعية والفكرية وهو من الكتَّاب الذين تشيع في أسلوبهم روح الدعابة اللاذعة والهزل، والسخرية في أدبه هي إحدى السمات البارزة في أسلوبه يتمثل في تشبيهاته الدقيقة والتي تنبض بالهزل والضحك وتشيع الفكاهة في أثناء الكلام، فجمع بذلك قلوب القارئين إليه واستولى منهم بذلك على شتى ميلوهم إلى ما يكتب عن حقائق الحياة البشرية.. ولقد كتب الكثير في ميادين الفكاهة والملح والنوادر ويروى قوله:(إذا وردتني النكتة لا أستطيع حبسها) وكان يتهكم بأقرانه وأصحابه وابتداء بنفسه في ذلك، حيث ورد عنه قوله لا تقولوا قد أساء أبو عثمان لصديقه بل ما تناوله بالسوء حتى ابتدأ بنفسه ومن كانت هذه صفته وهذا مذهبه فغير مأمون على جليسه.
ويروى عن أحد الأدباء ممن كان يسخر منهم أنه قال وقد سئل لماذا لا تهجو الجاحظ وقد سخر وندد بك؟ فقال أمثلي يخدع عن عقله والله لو وضع رسالة في أرنبة أنفي لما أمست إلا بالعين شهرة.. على مثل ذلك كانت فكاهته وسخريته تغزو الآفاق وتطير في الدنيا.. ولقد ضاق الجاحظ ذرعاً بالثقلاء والبخلاء فكتب ساخراً في ذلك فصولاً وكتباً.
لقد كان الجاحظ عبقرية أدبية وموسوعة فكرية تجلى ذلك في مؤلفاته وكتبه وآثاره، وكان عيناً ساهرة لا تغفو إلا على كتاب ولا تفيق إلا على كتاب حتى اجتمعت له صنوف المعرفة وضروب العلم وألوان المعرفة.. وخلف من ورائه تراثاً فكرياً نفيساً مازال باقياً وخالداً يجسد ملامح الحياة وصورها وصنوف الآداب ويعبر عنها تعبيراً سليماً وهادفاً يصور حياة الإنسان تصويراً صادقاً ويبعث فيه متعة وسروراً في أسلوب قشيب وعبارة فصيحة جميلة، ويصف الفن وصفاً رائعاً وحياً وجميلاً.
|