لاشك أن الكثير مثلي يلاحظ كثرة الأيام والأسابيع العالمية التي نعيشها في عصرنا الحاضر؛ أعني تلك التي سنّتها هيئة الأمم المتحدة ومشتقاتها، والتي نستقبلها بمختلف النشاطات؛ نُقيم لها الاحتفالات، ونعقد من أجلها الندوات والأمسيات والمهرجانات، ونوثقها بالحرف والصوت والصورة عبر مختلف وسائط الإعلام المتحركة والمسموعة، ولم نكتف بذلك بل نخصص لها العديد من الكتب والصحف والمجلات، وننفق عليها الكثير من الأموال، وهذا كله بطبيعة الحال وجد من أجل الإنسان والنبات والحيوان، ولكن انتبه! ليس أي إنسان، أو أي نبات أو أي حيوان!! فهناك علامات وإشارات!!
ولا ملامة في ذلك، فالمناسبات التي خصصت لها أيام عالمية كانت مأساوية في حق الخليقة، ولذلك حركت الضمير العالمي، وأرجو ألا يسخر أحد من هذا المصطلح، فهنالك بالفعل شيء اسمه (ضمير عالمي)، ولكن هل هو حقيقة، أم ضرب من الأوهام، فتلك مسألة تستلزم وقفة! وربما لا نقف عندها كثيراً؛ فأغلب الظن- والله أعلم- أن الخيار الأصح دائما ذلكم الذي يتوافق والخيار الصهيوني!!
المهم أنني معجب بهذه الأيام العالمية، وأحرص دوما على مشاركة المحتفلين بها، كيف لا وأنا وأبناء جلدتي في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والشيشان وأمصار أخرى كثيرة تحتضن أقلياتنا، نستشعر غلاوتنا في عيون العالم مع إطلالة كل يوم من تلك الأيام، ومن شدة إعجابي وانشغالي بآثارها المذهلة، حاولت أن أحصيها، فتعبت، وقد تستغرب قارئي العزيز إذا نما إلى علمك أنني أحصيت عبر أخطبوط الإنترنت خمسين مناسبة خصص لها يوم أو أسبوع عالمي، وما خفي قد يكون الأكثر، وهي - أي التي استطعت العثور عليها - موزعة على شهور السنة كلها عدا شهري يناير - كانون الثاني وفبراير - شباط.
وأود هنا أن أسجل تحية إجلال وتقدير، أولاً لسيدة العالم الفاني الغالية أمريكا المتألقة في طريقة احتفالها بتلك المناسبات، فهي دوما جاهزة لاستخدام القوة؛ ولا تتردد مطلقاً في الزحف نحونا بجيوشها الجرارة، وآلياتها المتطورة، وهذا بالطبع من أجل تحريرنا من أنفسنا الأمارة بالسوء! ولبثِّ السلام والديمقراطية في أجوائنا، ولا تناقض في ذلك أبداً مع جاهزيتها - في حال تعلق الأمر بإحدى ولاياتها، أو ربما أمّها وموجهة سياساتها؛ (إسرائيل) - لأن تسهر وتفكر، وتخطط وتدبر، وتقدم لنا المبادرات تلو المبادرات، ولعل المبادرة التي أطلت بها علينا يوم الإثنين القريب 5 إبريل - نيسان 2004م - ولن تكون الأخيرة - تبرر الغبطة التي تغمرنا تجاهها، والمبادرة دون شك معروفة؛ تلك المتعلقة بشراء المستوطنات الإسرائيلية - أو إن شئتم الأملاك الإسرائيلية!! - ومنحها للفلسطينيين الإرهابيين المتشردين المتسولين، وطبعا هذه المبادرة ستكون دولية لكي تشارك كل الدول في تسديد الفاتورة، ليس لأن امريكا عاجزة عن التسديد، وإنما لحاجة في نفس الكاوبوي!!
والشكر الجزيل - بعد أمريكا ووصيفتها بريطانيا - للهيئات العالمية والمنظمات الدولية، والتكتلات الحزبية، على السواء، بدءا بهيئة الأمم المتحدة، فمجلس الأمن الدولي، ثم الدول الصناعية الثمانية، ويلي ذلك الضمير العالمي، ولِمَ لا نخص بالشكر أيضا الدول النامية، والدول المتخلفة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي التي بسم الله ما شاء الله مع شعوبها همسة بهمسة وصرخة بصرخة، ثم الشرق الأقصى، والشرق الأدنى، والشرق الذي بينهما المتبدلة أحواله؛ فهو بالأمس الأوسط بقيادة الدلّوعة إسرائيل، واليوم هو الأوسط الكبير بقيادة إسرائيل الكبرى، ومن يدري ربما يكون غدا الأوسط المسخر لخدمة إسرائيل العظمى وشعب الله المختار.
والشكر موصول كذلك لكافة الاتحادات؛ الأوروبي بقيادة فرنسا، والأفريقي بقيادة ليبيا، والآسيوي بقيادة اليابان، والمغاربي بقيادة الإخوة الخمسة الأعداء، والعربي بقيادة ضب الليل والنهار؛ أبي الحواسم؛ وعاشت أمتنا العربية المجيدة، وأخيراً جامعة الدول العربية، ومؤتمرها في تونس الذي سجل نجاحاً لا سابقة له في الأسبوعين الأخيرين من مارس - آذار 2004م، وأدعو الله أن يلطف بنا بعد انعقاده حسبما تقرر في مايو - آيار المقبل!! اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه.
والواقع أنني أمزج ذلك الشكر والتقدير بخطاب آن أوانه، أو هكذا يخيل إليَّ، فأقول: يا جماعة كفانا نكراناً للجميل، أليست مبادراتهم ومحاوراتهم وتنقلاتهم جواً وبراً وبحراً ليل نهار، من أجلنا؟ فَلِمَ الجحود إذن؟ فلنتق الله في أولئك، فهم لا يذوقون طعم النوم، ولا يهنأون بثلاث وجبات دسمات في اليوم، ولا يستمتعون (مثلنا) ببرامج الفضائيات الساحرة وخصوصا Real TV!! وها هي الدورة الثانية، بدأت بالنسبة لسوبر ستار، وقادمة قريباً ل ع الهوا سوا، وستار أكاديمي.. ومبارك لك يا عطية!! ولا فضّ فوك يا نمر شعبان في معتقل عسقلان.. حقاً. أوفيت واتقنت!!
ولعلك عزيزي القارىء تتساءل عن تلك المناسبات العالمية الخمسين التي أحصيتها، وإن كنت لا أشك أنك تعلمها، ولكنك ربما ترغب في معرفتها متسلسلة، وكنت أتمنى أن أسردها لك في هذه المقالة لأوفيها حقها من الشرح والتعليق وإبداء ما تستحق من الإعجاب، ولكنني مع الأسف لن أستطيع ذلك، ولو حاولت فسيركلني، ويركل مقالتي، رئيس التحرير، فمساحة النشر، كما الصبر، لها حدود!! ولذلك سآتي فقط على ذكر المناسبات العالمية الخاصة بشهر مارس - آذار.
فالمتأمل في شهر مارس - آذار يلحظ أنه لم يحظ بالرعاية الأكثر تميزاً من غيره؛ رغم أنه - من حيث ترتيبه بين شهور السنة - يشكل بداية الأيام العالمية؛ إلا أنه لم يكن الأكثر في عددها. كانت البداية في اليوم الثامن منه الذي سجل ليكون يوماً عالميا لحقوق المرأة والسلام الدولي. ليليه اليوم الحادي والعشرون، الذي يحتفل به كثير من الناس تكريماً لأسمى معنى في الوجود (للأم)، والذي أعلنته هيئة الأمم المتحدة ليكون يوما دوليا للقضاء على التمييز العنصري. ثم يأتي اليوم الثاني والعشرون وهو يوم عالمي للمياه. وأخيراً اليوم الثالث والعشرون وهو عالمي للأرصاد الجوية، ويتميز هذا اشهر بأسبوع عالمي تتداخل فيه ثلاثة من تلك الأيام العالمية، ويبدأ اعتباراً من اليوم الحادي والعشرين، ويختص بالتضامن مع الشعوب التي تكافح العنصرية والتمييز العنصري!! ولاشك أن التضامن مع تلك الشعوب واضح وجلي وخصوصاً ما يحظى به الشعبان الفلسطيني والعراقي!!
أما اليوم العالمي لحقوق المرأة والسلام الدولي، فنجد أن الشطر الخاص بالسلام الدولي قد انقرض ولم يعد له ذكر!! لماذا؟ لستُ أدري!! ربما لأن السلام يعم دول العالم وأنا لا أدري!!
ولكن لا بأس فمازال العالم يحتفي بالمرأة ويكرِّمها ويبحث عن حقوقها، والاحتفاء الأكبر والأعمق بلاشك نراه قاسماً مشتركاً بين أمريكا على أرض العراق، وإسرائيل على أرض فلسطين، وبالمناسبة في اليوم الثامن والذي يليه من شهر مارس - آذار 2004م سجَّلَ شارون موقفاً إنسانياً لفت انتباه الملايين؛ فشارون؛ وهو رئيس عصابة الليكود؛ إحدى نبتات الهاجاناه الصهيونية، تنازل عن الكثير من ممارسة فروسيته القتالية وهواياته الدموية، وحبس رغباته وأنيابه داخل جسده، واكتفى بتقديم امرأتين ثنتين فقط قرباناً ليوم المرأة العالمي، الاولى اعتدال التي استهدف بيتها في رفح الصمود بغارة صهيونية، فاستشهدت بعد أن أسقطت جنينها، واطمأنت على استشهاد زوجها ودمار بيتها الذي أصبح اثراً بعد عين. والثانية دلال الصباغ من جنين الكرامة التي استقبلت رصاصة صهيونية حاقدة اخترقت رأسها بينما كانت تقف على سطح البيت تجفف ملابس مولودتها الجديدة، فصرخت، وسمعها الجيران، وهبِّوا لنجدتها، ولكن الشهادة كانت أقرب إليها منهم، وهي وحيدة إخوانها وأم لثلاثة أطفال صغار؛ هم: طفلان كانا في طريق عودتهما إلى البيت قادمين من الروضة يتلهفان شوقاً للقياها والارتماء في حضنها، والاستمتاع بحبها وحنانها، وتناول الخبز والزيتون وإياها!! ثم المولودة الجديدة التي لم تتجاز وقتئذٍ الأربعين يوماً، والتي بقيت على قيد الحياة لتغوص في، أو لترضع من، دماء أمها، إلى أن تكبر ويأتي اليوم الذي يشهد صرختها في وجه العالم قائلة: أليس ذلك موقفاً إنسانياً؟ّ تساؤل؛ ترى ما الذي دفع هنادي جرادات وأخواتها إلى تنفيذ عمليات استشهادية؟؟!!.
|