مما استجد تعليمياً لحظتنا التاريخية هذه ما يتمثل في اتجاه العديد من جامعات العالم نحو غربلة وتطوير عملية توزيع الأقسام الأكاديمية فيها، وذلك على نحو كفيل بأن يكسر من تقليديتها ويخفف من رتابتها، وبالتالي يزيل ما هنالك من حدود مصطنعة بينها. فالتخصصات الأكاديمية بمختلف مجالاتها ليست إلا روافد تصبّ في التحليل الأخير في حوض العلم (التطبيقي) الواقع على أرض الواقع الإنساني. وهذه المستجدة التعليمية تبدو استجابة ملحة لمتطلبات العصر وتداعيات تطوراته التقنية وخلافهما.
ومن ضمن وسائل تحقيق هذا الهدف الإقرار بأهمية العلاقات المتقاطعة والبينية بين العديد من التخصصات الأكاديمية في كافة فروعها الإنسانية والاجتماعية والعلمية وخلافها؛ مما يوجب توحّد هذه التخصصات في خندق واحد حين التعامل مع أية مشكلة طرفها الإنسان أو بيئة هذا الإنسان. وفي هذا المنحى يؤكد العالمان كينج وشنيدر (2003: 100 - 101) ما نصه: (إن الطبيعة المعقدة للعديد من المشكلات المعاصرة تتطلب شن هجوم موحد عليها من قبل عدة تخصصات).
وقد أثبتت التجربة أن الباحثين في فروع العلم المختلفة الطبيعية والاجتماعية سرعان ما يتمكنون، عند معالجتهم مشكلة معقدة ما باستخدام هذا المنهج المتعدد التخصصات، من أن يقيموا نوعاً من الاتصال بينهم يتجاوز الحدود التي تفصل بين تخصصاتهم. ويعتبر غرس وترسيخ ذلك النوع من الأبحاث المتعددة التخصصات متطلباً عاجلاً من متطلبات الحلولية. بيد انه من الصعب ان يتولد هذا المنهج داخل الجامعات التي تنظم على أساس رأسي في شكل كليات وأقسام لا يكون هناك عادة اتصال قوي بينها.. فينبغي أن يلبي التعليم الحاجة إلى مدخل لعلاج المشكلات يعتمد على تعدد التخصصات، نظراً إلى أن كل مشكلة تتكون من عناصر فنية واقتصادية واجتماعية وسياسية وبشرية، الأمر الذي يتعذر معه حلها إذا تصدى لها أصحاب تخصص واحد بمعزل عن التخصصات الأخرى، سواء كانوا من السياسيين أو العلميين أو المهندسين أو الاقتصاديين.. وتتعين أهمية هذا القول للجامعات التي تقسّم هي الأخرى إلى كليات وأقسام فرعية، كل منها يسعى إلى تفهم أعمق لمجال تخصصه، دون الوعي في معظم الأحيان بما تتوصل إليه الأقسام الأخرى من نتائج.
انظر: كينج، أ و ب. شنيدر - 2003، (الثورة العالمية الأولى:
من أجل مجتمع عالمي جديد)، (ترجمة وفاء عبد الإله)، مركز دراسات الوحدة العربية: بيروت
|