حينما تتعدَّد جبهات المواجهة، وحينما تكثر الثَّغرات في حياة البشر، تصبح المواجهة صعبةً جداً، بل ربما تصبح ضرباً من المستحيل إذا لم يكن هنالك عقل رزينٌ حيكم إذا ما أورد الأمر أصدرا، لأن الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحقُّ بها، وهي تعني وضع الأمور في مواضعها الصحيحة حتى لا تختل الموازين، والأحداث الساخنة تعالج بالحكمة مع الحزم، لأن الحكمة تعني الهدوء والدراسة الواعية الدقيقة لأسباب الأحداث ومسبباتها، وتعني المعرفة الكاملة بحقيقة تلك الأحداث والمثل يقول: من عَرَفَ الطريق وصل إلى الغاية، ثم يأتي بعد ذلك الحزم الذي يحتاج إليه التطبيق العملي لما اهتدى إليه الإنسان من قرارات ومواقف بعد الدراسة والتمحيص، والحكمة والمعرفة.
إنَّ الجبهات التي فُتحت على المسلمين في هذه المرحلة كثيرة، وهي جبهات ساخنة محتدمة لا يمكن أن تواجهها عواطف الناس المتأجِّجة لوحدها، ولا انفعالات المنفعلين وصرخات المعترضين، كما لا يمكن أن يواجهها الصمتُ وعدم الاكتراث، والاحتقار لها وعدم الاهتمام بها.
الجبهات الساخنة تواجهها الحكمة مع الحزم، ويواجهها الوعي والمعرفة للأسباب والمسببات، ويواجهها قبل ذلك وبعده الاعتماد على الله سبحانه والتوكل عليه، واللجوء الصادق إليه، والتخلص من كل عمل يغضبه ويخالف ما شرع لعباده.
إن جبهات السلاح والحروب، والثقافة والفكرة، والتربية والعلوم النفسية، والآداب والفنون، والإعلام بوسائله المتعددة، والاقتصاد بمجالاته المختلفة، إن هذه الجبهات تحتاج إلى قوة تواجهها، بعيداً عن الاعتداء (المتضخم) بالنفس، القائم على الإحساس بالفوقية والتعالي في التعامل مع الأحداث الساخنة إنها تحتاج الى قوة (الحكمة)، والحكمة قوية جداً لأنها تضع الأمور في مسارها الصحيح، وتتجه بها الاتجاه المناسب، كما تحتاج الى قوة الحزم الذي لا مجال معه لتمييع القضايا والتهوين منها.وإن من أهم الجبهات الساخنة الخطيرة التي تواجهها الأمة المسلمة في هذه المرحلة (جبهة الانشقاق الداخلي) و(الخلافات العميقة) و(التضارب المزعج في الأقوال والمواقف).
صراع في الرأي، وخلافات حادة في الفتاوى، وتباعد مخيف في أساليب العلاج والمواجهة، وعداء سافر بين المثقفين والمفكرين والأدباء ناتج من اختلاف التوجهات، وظنون سيئة تنتشر بين الناس، وتقتل الثقة والاطمئنان فيما بينهم، وصراع أمني تهدر به الدماء البريئة بصورة أصبحت خطيرة على المجتمعات والدول.
كيف يمكن أن تواجه كل هذه الجبهات الساخنة التي تفتح على الأمة من داخلها؟، وكيف يمكن أن نواجه داخل عالمنا الإسلامي عناصر تلك الجبهة الساخنة التي تختفي عن أبصارنا فما نراها، ولا نعرف من أين تتحرك، ومتى تتحرك، وماذا ستفعل، تلك الجبهة التي أطلق عليها (الإرهاب)؟ وكيف نواجه تلك الجبهات كلها؟
إن عقلاء الأمة المسلمة، وعقلاء الأمم كلها يتفقون على حرمة إهدار الدماء بغير حق، وعلى حرمة الغدر والخداع والمخاتلة، وإثارة الفتنة بين الناس، وما تزال المقالات والتقارير والخطب والبرامج والكتب تتحدث ليل نهار عن حرمة الدماء البريئة، وهذا شيء مهم جداً، ولكن السؤال المهم أيضاً هو: هل وصل هذا الخطاب بصورة واضحة إلى المقصودين به؟ هل عرف العلماء وولاة الأمر والعقلاء والمحللون السياسيون ما لدى تلك العناصر المختفية من الشبه حتى يمكن التعامل معهم بالصورة الأفضل والأمثل التي تكف عن الأمة شرهم، وتنقذهم من أنفسهم؟ وتعالج ما يثير تلك الشبه من مشكلات الحياة؟
إشارة:
الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أول وهي المحل الثاني |
|