تعتمد القوات المسلحة الحديثة بشكل كبير على عدد من القدرات الإلكترونية الدفاعية والهجومية التي تستخدم المجال الكهرومغناطيسي، وتعتبر الحرب الإلكترونية أهم العوامل المستخدمة لتحسين مستوى الأداء العسكري على عدة مستويات من الصراع، فالتوظيف الجيد للحرب الإلكترونية يرفع من قدرة القادة الميدانيين لتحقيق السيطرة على قواتهم، والأسلحة المعاصرة والأنظمة المساندة، تستخدم تقنيات الاتصالات والرادارات، والأشعة تحت الحمراء والبصريات والأشعة فوق البنفسجية والليزر للبحث والتتبع والتصويب وغيرها.
وتعتبر الحرب الإلكترونية من أسرع الميادين تطوراً واستخداماً للتقنية الحديثة، وكما قال مؤلف كتاب حرب المعلومات الأولى (The First Information War) إن جراماً من السلكون يعادل تأثيره في الحروب الحديثة أكثر مما يفعل طن من اليورانيوم المخصب.
2 - تطور الدفاع الجوي: لقد كانت وما زالت أنظمة الدفاع الجوي المحرك الرئيسي لبرامج الحرب الإلكترونية، فمنذ إسقاط أول طائرة (فانتوم) أمريكية فوق فيتنام بواسطة صاروخ (سام-2) عام 1965م تطورت أنظمة الدفاع الجوي بشكل مذهل كماً ونوعاً حتى أصبح اختراق مجالها الجوي للوصول إلى الهدف أمراً مستحيلاً ما لم يتم استخدام وسائل وأساليب الحرب الإلكترونية اللازمة لإخماد أنظمة الدفاع الجوي وتوفير الحماية الذاتية للطائرات المهاجمة، ولم يعد للطيران على ارتفاع منخفض الفاعلية السابقة بعد اكتشاف أنظمة المسح المحمولة جواً بقدرتها على الرؤية إلى أسفل واستخدام التقنيات المتطورة في أنظمة الدفاع الجوي الحديثة مما قلل من فاعلية التكتيكات التي تستخدم التضاريس للتخفي وقد أصبحت أغلب الدول تملك هذه الأنظمة المتطورة للدفاع ضد الهجوم الجوي تشمل الطائرات الاعتراضية والصواريخ والمدافع المضادة للطائرات وتستخدم هذه العناصر غالباً الأنظمة الإلكترونية للكشف والمراقبة ومتابعة الأهداف الجوية وتوجيه الأسلحة لاعتراضها وتدميرها.
وحتى الأنظمة القديمة نسبياً شكلت تهديداً خطيراً على القوات الجوية لحلف الناتو أثناء حرب البلقان رغم ما تتمتع به هذه القوات من تطور وتقنية متقدمة وذلك باستخدامها بشكل فعال ومؤثر من قبل القوات الصربية حيث اعتمدت على تكامل أنظمة الدفاع الجوي وتغيير مواقعها بشكل مستمر وعدم تشغيلها لوقت طويل (وقد بلغ متوسط تشغيل رادارات المتابعة 6 ثوانٍ فقط) وقبل ذلك في حرب تحرير الكويت حيث شكلت الصواريخ الحرارية (InfraRed) العامل الأول في خسائر الطائرات.
3 - دور الحرب الإلكترونية تعتمد أي قوات جوية حديثة بشكل كبير على عدد من القدرات الإلكترونية الدفاعية والهجومية التي تستخدم المجال الكهرومغناطيسي للإنذار والكشف والمتابعة والاشتباك والقيادة والسيطرة والاتصالات مما يجعلها معرضة للتحييد أو الإرباك أو التدمير، والحرب الإلكترونية أداة متخصصة لتحسين الأداء العسكري على عدة مستويات من الصراع، فالتوظيف الجيد للحرب الإلكترونية يرفع من قدرة القادة الميدانيين لتحقيق السيطرة وتقليص نسبة الخسائر. فكلما ازداد الاعتماد على التقنية الإلكترونية الحديثة، كلما كانت معرضة أكثر لتأثير الحرب الإلكترونية، فلا يوجد صراع مسلح في الوقت الحاضر إلا وتلعب فيه الحرب الإلكترونية دوراً أساسياً بل وحساساً يغير من موازين القوى. وفي القوات الجوية أصبحت فاعلية الطائرات المقاتلة تقاس بما تحمله من وسائل حرب إلكترونية باعتبارها الأساس الأكبر في إنجاح اختراق وسائل الدفاع الجوي والوصول إلى الهدف.
4 - تحسين قدرات الحرب الإلكترونية في الماضي هناك فرق كبير بين الدول المصنعة والدول النامية من حيث قدرة الدول الصناعية على ترجمة المتطلبات العسكرية إلى أنظمة تقوم بالمهام المطلوبة، ولكن في الوقت الحاضر أصبحت الدول النامية لديها هي نفسها متطلبات وطموحات في مقابل الأموال التي تدفعها للدول الصناعية. وأصبح نقل التقنية والمعرفة وحتى التصنيع أهم شروط العقود العسكرية في الوقت الحاضر. وامتلاك القدرة في مجال الحرب الإلكترونية، يعني سرعة الاستجابة في المكان والزمان لتنفيذ المهام حيث تعتمد الحرب الإلكترونية على الوقت بشكل كبير فكلما توفر الوقت في تجهيز المعدات كلما ارتفعت نسبة نجاح المهمة. كما أن الإمكانات المطلوبة والتي تحدد القدرات في هذا المجال تحتاج إلى عناصر يجب أن تتوفر ومن أهمها:
أ . التدريب. حيث يعتبر التدريب العامل الرئيسي في نقل المعرفة والحصول على المهارات المطلوبة لتشغيل وصيانة وتطوير أنظمة الحرب الإلكترونية.
ب . مراكز لبرمجة معدات الحرب الإلكترونية واختبارها.
ج. التعاون بين القطاع العسكري والخاص والجامعات العلمية في مجال البحث والتطوير والصيانة.
6. برمجة معدات الحرب الإلكترونية والاختبار عندما نقول برمجة معدات الحرب الإلكترونية لا نقصد بأي شكل من الأشكال كتابة برامج الحاسب الآلي (SOFT WARE) والذي يتم غالباً من قبل الشركات الصانعة وإنما المقصود هو القدرة في برمجة القياسات الخاصة لكل تهديد وبرمجة أساليب التشويش، وأساليب البحث والتعرف على التهديدات المحتملة وأولوياتها، ومن ثم عمل الاختبارات الضرورية للتأكد من عملها.
يعتبر التطوير المستمر لبرامج الحاسب الآلي للحرب الإلكترونية أمراً بالغ الأهمية، فالقياسات الفنية أو الإجراءات التشغيلية لأنظمة التهديد تعمل بشكل مختلف أثناء الحرب عما كانت تفعله أثناء السلم. ويكون عامل الوقت هنا هو المهم، حيث قد لا تتوفر معلومات كافية قبل وقت الحرب وبالتالي لن يتم برمجة معدات الحرب الإلكترونية بالشكل الملائم لمقاومة هذه التهديدات مما يشكل تأثيراً مباشراً على المهمة.
وقد تواجه إعادة برمجة المعدات الإلكترونية في الدول غير المصنعة بعض المشاكل خاصة إذا كانت غير مفصولة عن برنامج التشغيل الرئيسي (Operational Flight Program (OFP)) للطائرات المقاتلة لذلك لا يمكن تصديرها بسهولة من الدول الصانعة نظراً لارتباطها مع البرامج المصدرية (Source Code) والذي يصعب الحصول على تصاريح بعض منها، وقد تم التغلب على هذه المشكلة في بعض الدول عن طريق فصل مكتبة التهديدات (Threat Library) الخاصة بأنظمة الحرب الإلكترونية عن برنامج نظام التشغيل الرئيسي للطائرة (OFP) وبدون الحاجة إلى البرامج المصدرية (Sorce Code). إن البرمجة بحد ذاتها غير كافية إذا لم تختبر وتجرب لمعرفة قدراتها في التعامل مع أنظمة التهديد، حيث يجب أن تختبر في معامل الحاسب الآلي والتشبيه ومن ثم تجربتها ميدانياً.
7. الجيل الجديد من أنظمة الحرب الإلكترونية تحتاج أنظمة الحرب الإلكترونية إلى التطوير المستمر لتتماشى مع تطور التهديدات خاصة أنظمة الدفاع الجوي وكذلك مواكبة التطورات في مجال الطائرات المقاتلة الحديثة.تتماشى أجيال أنظمة الحرب الإلكترونية مع أجيال الطائرات المركبة عليها حيث من المنتظر أن تكون مواصفات مقاتلات القرن الواحد والعشرين والتي تعتبر الجيل الرابع من المقاتلات هي تعدد مهام الطائرة الواحدة مع زيادة مداها العملياتي والتركيز على التقنية الحديثة في توفير المعلومات آنياً بما في ذلك تطوير تقنية الرادار والاتصالات وأجهزة الملاحة وسلاح الليزر كما سوف تكون الحماية الذاتية ممثلة في أنظمة الحرب الإلكترونية للطائرة مطلباً أساسياً لتحقيق الدقة ولمواجهة أي أعمال قتالية موجهة ضدها قد تؤدي إلى عرقلة مهمتها أو مهارة طاقمها.
بإمكاننا القول إن أنظمة الجيل الأول لأنظمة الحرب الإلكترونية تفتقر إلى التكامل مع بعضها البعض، وهذا يعني أن كل جهاز من أجهزة الحرب الإلكترونية يعمل على حدة، مثل أجهزة التحذير الراداري وحاوية التشويش وجهاز إطلاق المقذوفات، وهذه المعدات تبرمج باستقلالية أحدها عن الآخر، وإذا وصلنا أجهزة التحذير الراداري التحذيرية مع حاويات التشويش في برنامج موحد فنستطيع القول إن النظام من الجيل الثاني للحرب الإلكترونية، أما ما يخص الطائرات الحديثة فقد بدأت الخدمة الفعلية في القوات الجوية لبعض الدول المتقدمة طائرات من الجيل الثالث والرابع تستمد المعلومات الفنية والعملياتية آنياً مع تقنيات عالية في مجال التكامل لأنظمة الحرب الإلكترونية مع بعضها ومع بقية الأنظمة.
إن الأجيال القادمة من الطائرات وأنظمة الحرب الإلكترونية سوف تعتمد على التقنيات العالية مثل المستقبلات الرقمية وعلى برمجيات الحاسب الآلي وعلى سياسة الأنظمة المفتوحة (Open Architecure) .
8. التكامل في نقل التقنيةيعيش العالم اليوم في حالة سباق محموم لاكتساب أكبر قدر من المعرفة التي تعتبر أساس التنمية والتي تقود إلى التقدم والرقي، ويحتل البحث العلمي في الوقت الراهن، مكاناً بارزاً من خلال مساهمة مراكز الأبحاث في رصيد المعرفة، ولقد أثبتت تجارب الدول التي وصلت اليوم إلى درجة عالية من التقدم، جدوى الاعتماد على البحث العلمي والتطوير للأنظمة. وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية في طليعة الدول التي تشجع البحث العلمي حيث يوجد حوالي (282) مركز أبحاث وتنفق أكثر من (247) مليار دولار في مجال البحث العلمي.
لقد كان تصنيع وبرمجة أنظمة الحرب الإلكترونية شبه محتكر على الدول المتقدمة فقط ومع تقدم التقنية برزت الحاجة في كثير من الدول للاستقلالية والاعتماد الذاتي في هذا المجال الحساس والمهم والذي أملته ظروف سرعة التطور في مجال أنظمة التهديد وتكامل أنظمة الدفاع الجوي. وفي مقال نشرته مجلة الدفاع الإلكترونية في فبراير عام 2000م تضمن تجارب بعض الدول في الشرق الأوسط في مجال نقل التقنية والاعتماد الذاتي لأنظمة الحرب الإلكترونية حيث أشار إلى التجربة الجيدة التي تتبعها المملكة العربية السعودية ممثلة في شركة الإلكترونيات المتقدمة والدور الذي يمكن أن تلعبه في هذا المجال المهم والحساس، إن الثروة الحقيقية في عصر المعلومات، هي امتلاك المعرفة وتسمى (intelectual Wealth) فمن يملك ناصية المعرفة يملك التفوق ويملك قراره ومصيره بيده بعد الله، ولا يمكن تحقيق ذلك دون التكامل والتعاون بين مختلف مؤسسات المجتمع من جامعات والشركات الوطنية والمؤسسات العسكرية والمدنية.
(*) القوات الجوية الملكية السعودية
المراجع
1. د. إبراهيم البعيز «علاقة القطاع الصناعي بالمؤسسات الأكاديمية» ندوة البحث العلمي في مجلس التعاون الخليجي، شعبان 1421هـ.
2. براندان رفيرز «الشرق الأوسط والرحلة الطويلة للاعتماد الذاتي» مجلة الدفاع الإلكترونية (JED) فبراير 2000م.