تأتي شخصية الإنسان في محصلتها نتاجاً لتمازج الشخصيات والأدوار والقنوات التي ارتبط بها في حياته منذ الصغر، وتظل تمارس تأثيرها عليه - بشكل أو بآخر - عبرمراحله المختلفة -.. خاصة أولئك الذين أسهموا بشكل مباشر في عملية تنشئته اجتماعياً ونفسياً وفي صياغة شخصيته وإعداده للمستقبل. ذلك لأن الشخصية في مدلولها الإنساني والاجتماعي تعبر عن كل متماسك من الخبرات والأنماط السلوكية والفكرية التي تشربتها لبنته منذ أن كانت قابلة للتشكيل وما دام قابلاً للاستقبال والتفاعل.
وتأسيساً على ذلك.. فإن الأبوين بشكل خاص والمحيط الأسري.. هم أصحاب الدور الأول والفاعل أو هم القناة الأولى التي تبدأ برسم الخطوط الأساسية للشخصية وتمر من خلالها هذه العملية «التشكيلية».
ثم تتوالى الأدوار بعد ذلك مروراً بالمدرسة وما تتضمنه من شخصيات تحتضنهم بين أسوارها ووسائل تعليمية ومناهج وأهداف وغير ذلك مما يندرج تحت العملية التعليمية والتربوية. ولن تكون مرحلة العلاقة مع المدرسة نهاية التأثير والتأثر التي يتضمنها «التفاعل الاجتماعي».
بيد أن هناك مراحل وقنوات أخرى تساهم بدورها - بشكل أو بآخر - في عملية بناء الشخصية وصياغة تراكيبها، مثل جامعة الأصدقاء والأشخاص الذين يتعامل معهم الإنسان في المواقف المختلفة من حياته اليومية .. بالإضافة إلى ما يتلقاه عبر وسائل الإعلام المختلفة.. وما يكتسبه في قراءاته تعد جميعها من العناصر المباشرة في بناء شخصيته وتأطير شكلها وجوهرها العام.
وبالتالي.. فإن الشخصية.. تأتي في محصلتها نتاجاً طبيعياً لتمازج ذلك الكم «المتاح» من العناصر الفاعلة في حركية الفكرة والاتجاه والقيم والمبادئ والمعايير.. إلخ. التي تعتبر بدورها مكونات مهمة للشخصية.
بيد أن إنسان (الآن) لم يعد يقتصر تأثره بتلك المؤثرات المحلية والإقليمية التي يعيشها (كواقع حي) داخل مجتمعه فحسب.. بل أصبح أيضاً في اتصال مستمر ومباشر بكل أو معظم ما يدور حوله في العالم المحيط به بأبعاده المتباينة والشاسعة في عصر عرف فيه العالم باسم «القرية الكونية».. نتيجة للانفتاح الذي ساد العلاقات الإنسانية، والانفجار الهائل للمعلومات والمعارف التي أصبحت تتناقل بحساب الثانية وأجزائها من عمر الزمن.. عبر قارات شاسعة تفصل النقطة عن الأخرى.
ومن ثم أصبح إنسان «الآن» أكثر انفتاحاً واستيعاباً وإدراكاً لما يوجد ويدور في تلك القرية..رغم كل التناقضات والتباينات والمفارقات التي تزخر بها.
ذلكم هو الواقع الجديد.. الذي حان الوقت أن نعترف به ونتعامل معه كحقيقة قائمة لا ينبغي أن نتجاهلها أو أن ندس رؤوسنا عنها حتى لاتأتي اللحظة التي نصدم فيها ونكتشف أننا نعيش في عصور الغابرين.
|