لقد تنبأنا في مقالات سابقة أن العراق سينتصر على الأشرار من الأمريكان، وربما تنبأ غيرُنا نفس الشيء، ومثل هذه الرؤى لم تكن قطعاً وفق الحسابات المادية لموازين القوى، ولو جرت وفق هذه المعايير لما تنبأ أحد بانتصار العراق، ولكنها كانت وفق فهمٍ واعٍ للسنن الإلهية وصدق الله إذ يقول: {اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً {43فاطر} ولكن الذي لم نتنبأ به هو ما يجري من إذلال لأمريكا فاق كل التصورات والحسابات رغم أنه أيضاً من سنن الله {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء} {26آل عمران} مما أفقدها هيبتها، ويجعلها غير قادرة بإذن الله على الاستمرار كمصدر إرهاب وابتزاز لشعوب العالم، فالأمر إذن أكبر من هزيمة، وهذا ما جعل وزير خارجية أمريكا كولن باول يقول في ذهول واضح: لم نكن نتوقع هذا الحجم من المواجهة.
الإدارة الأمريكية في العراق تقف اليوم عاجزة تماماً ومشلولة شللاً كاملاً، وقد فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة المعركة، فالبيت الأبيض نراه مضطرباً وهو يبحث عن سبيل للخروج من المستنقع لأنه لم يعد أمام جنرالات الشر والإرهاب الأمريكان من حيلة إلا أن يخدعوا أنفسهم بالكذب الرخيص علاجاً لما حل في نفوسهم من انهيار معنوي خطير، وأغرب ما في الأمر أنهم يكذبون بطريقة مفضوحة، وهذا يعني أن العقلية الأمريكية التي تفننت في قتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ في العراق عمداً مع سبق الإصرار باتت عاجزة تماماً عن تمرير أكاذيبها على أقل تقدير وفشلها في إخفاء الحقيقة أفقدها مصداقيتها، فلم يعد أحد يصدق مزاعم أمريكا فيما تطرح من أهداف إنسانية من وراء احتلالها للعراق وهي التي تستخدم أمام العالم أحدث المقاتلات الحربية في قصف البيوت في الفلوجة ولم يعد أحد يصدق أمريكا فيما تعلنه من أرقام كاذبة عن عدد قتلاها وجرحاها، وقد فضحتها اللقطات الإعلامية الذكية، فعلى أفضل تقدير لاتعكس الأرقام العلنة رسمياً أكثر من 10% من الحقيقة مما جعل الجندي الأمريكي أرخص جندي في العالم فهو يُقتلُ ويُوارَى التراب دون أن يذكر اسمه ولم يعد أحد يصدق التهديدات الأمريكية العنترية الفارغة بسحق المقاومة في العراق وأفغانستان لقد سقطت أمريكا في العراق وسقطت معها مشاريعها السياسية الهادفة بكل الحقد الصليبي إلى هدم العقيدة الإسلامية ودك أركان الإسلام.
وأسوأ ما ألمَّ بأمريكا من وضع مخزٍ أنها لاتدري ما تفعل، فهي لا تستطيع المكوث في العراق فالجنود الأمريكان قد انهاروا تماماً فمنهم من يعيش اليوم على العقاقير المهدئة للأعصاب حتى ينسى، ومنهم من يرى في الانتحار الحل الأمثل وهي لا تستطيع مغادرة العراق فالمغادرة دون تحقيق الأهداف تعني نهاية أمريكا على أقل تقدير كقوة عظمى وفي ظل اللا حل تغرق أمريكا يوماً بعد يوم فيزداد وضعها سوءاً وتعقيداً فهل هناك من هو أبأس اليوم من الشيطان الأمريكي؟ {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} {59يس} ألم تر كيف هزمت على أبواب الفلوجة الأبية؟
وممالاشك فيه ان هذا الإذلال له آثاره المهمة لصالح المسلمين لو استثمر:
فالصهاينة اليهود هم أول المتضررين من هذا الإذلال، وذلك لأسباب عدة منها أنهم هم من وراء توريط أمريكا في العراق مما سيؤدي ولو بعد حين إلى يقظة أمريكية تكتشف معها أمريكا أن احتضانها الكيان الصهيوني إنما هو احتضان للأفعى وهذا أمر له ما بعده ولقد بدأ الأمريكان يشعرون بخطر الصهاينة اليهود على مستقبل دولتهم.
كما أن خروج الحليف الأكبر للعصابات الصهيونية مهزوماً ذليلاً من العراق سيضعف قدرة أمريكا على مواصلة دعمها للإرهاب الصهيوني مما قد يؤدي ولو بعد حين إلى وقوف تلك العصابات وجهاً لوجه مع أمة عريقة عظيمة ذات حضارة.
كما أن هزيمة أمريكا وإذلالها في العراق سيحطم الحلم الصهيوني في نفوس الصهاينة وقد ظن اليهود أن حلمهم في تحقيق إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات قد حان أجله باحتلال أمريكا للعراق.
كما أن آمال الصهاينة قد تبخرت في استثمار الدماء الأمريكية وتحويلها إلى أموال تصب في خزانتهم، وفي استثمار الوجود الأمريكي لبسط نفوذهم على الأمة العربية والاسلامية، واستثمار السيف الأمريكي لتجديد المذعورين في عالمنا العربي والإسلامي لضرب الحركة الإسلامية خاصة في فلسطين، كل ذلك اليوم ينهار مع انهيار أمريكا.
ومن المتضررين أيضا أولئك الذين لم يتركوا فرصة إلا وذكرونا فيها أن أمريكا قوية وأننا ينبغي لنا أن نتفهم الواقع وأن ننحني للعاصفة فأمريكا في قراءتهم للواقع لاتُقهر، وغير ذلك من التعابير المهزومة، وهؤلاء في واقع الحال اتخذوا أمريكا رباً من دون الله واليوم أراهم قد شُدهوا وهم يرون ربهم يُذلُ في العراق على أيدي المجاهدين الأبرار وهؤلاء بالطبع لم تعد لهم قدرة بعد اليوم على نشر الإحباط واليأس في نفوس المسلمين فلن ترى فيهم أمريكا بعد اليوم إلا مجرد طفيليات ضارة فلن يكون لهم دور أمريكي هذا إن بقيت أمريكا أمريكا.
ومن المتضررين أيضاً تلك الدول التي تحالفت مع أمريكا في حربها على الإسلام فاستجابت للإغراءات الأمريكية فغاصت معها في طمي الفرات وهؤلاء منهم مَنْ بدأ يشعر بالخطر مثل بريطانيا وإسبانيا واليابان وإيطاليا مما جعل شعوبها تلعن القادة ومنهم من يترقب فهو يؤمن أن الخطر سيدركه عاجلاً أم آجلاً.
ومن المتضررين أيضاً القادة الذين باعوا أنفسهم وكرامة أمتهم ومصالحها للشيطان الأمريكي فأصبحوا في عداء مع شعوبهم مما جعل بقاءهم مرهوناً بالحماية الأمريكية وهم اليوم يخشون أن تضعف أمريكا عن تقديم الحماية لهم.
كل ذلك يشكل فرصة عظيمة للشرفاء من أبناء هذه الأمة المؤتمنين على ماضيها وحاضرها ومستقبلها ليتحركوا لا يخافون في الله لومة لائم كي يفرضوا واقعاً جديداً ينقذ الأمة من حالة الانكسار التي تعيشها اليوم.. فقد آن للشرفاء إذن أن يبذلوا كل جهد مستطاع ليحطموا قيود الواقعية المهزومة.. لقد آن لهم أن يعملوا مخلصين كي تتبوأ أمتهم العريقة المكانة التي تليق بها بين الأمم.. آن لهم أن يحققوا لأطفال هذه الأمة ونسائها وشبابها وشيوخها الأمن والاستقرار وأن يبنوا لهم مستقبلاً أفضل يليق بأمة الإسلام وأن ينفضوا عن كواهلهم غبار الذل والعار والهزيمة وأن يعيدوا لهم ما سُلِب من كرامة.
نقلاً عن صحيفة الحقائق |