عمرها أربع عشرة سنة، تعرَّفتْ عليه عن طريق الهاتف، فكلام فموعد فلقاء.
تطور الأمر من لقاءات في الخارج! إلى جلسات في استراحات! وشقق مفروشة...
ثم وقع المحظور!! وكان الحمل، فالإجهاض... وانتهت العلاقة، حيث تبين أن الرجل متزوج، ولا يرغب في علاقة شرعية أصلاً!.
وخرجت البنت محطمة! تبحث عن حب جديد، لدى شاب في مثل سنها، تمنحه كل شيء؛ لتكتشف مرة أخرى خداعه، ووضاعته، ودناءته! ولكنها تظل تردد أنها تحبه.
* أخرى أحبت ابن الجيران! وسرعان ما وصل بها إلى شقة (....) لتحمل في أحشائها جنيناً! ويتم الإجهاض!.
ثم تحب آخر في الجامعة..! يظهر لها الوداعة, والشفقة، ثم يستولي على مصوغاتها الذهبية! وتصل إلى حافة الانهيار! والانتحار! فإذا باليد الناعمة تلوح لها, وتقول لها: تعالي! هنا الأمان! وتفاجأ بنصَّاب، يسعى إلى الحصول على الأموال من أي طريق فجعلها هي الطريق.
* ثالثة أصيبت بحب مزعوم... بشاب يتيم فقير! أعجبها فيه قوته، وتمرده على جمالها الطاغي، وعدم التفاته إليها! فسلمت له نفسها، يقودها إلى حيث شاء! وبعد سبع سنوات تركها عظماً بلا لحم؛ لتقع في يد شيطان آخر! يجهز على ما تبقى منها بعد أن عرف كلمة السر: الحب، والجنس!!
* رابعة: أحبت شخصاً... من خلال الإنترنت! وحاولت جهدها أن توقعه! ولكن دون جدوى! لجأت أخيراً إلى السحرة والمشعوذين، حتى تظفر بقلبه، وتسيطر عليه.
أين تقع هذه القصص؟!!
عمَّن نتحدث؟ إن الحديث ليس عن المجتمعات الغربية المتحررة التي كانت فيها البكارة إلى وقت قريب نوعاً من العيب، أو المرض النفسي لدى الفتاة.
كلا!! الحديث عن مجتمعات عربية إسلامية، بل عن مجتمعاتنا المحافظة.
إن فكرة البوي فرند (boy friend) الذي يقضي مع الفتاة ويك إند (weakend) نهاية الأسبوع قد تسللت إلى مجتمعاتنا!! وأصبحت موضة لدى بعض الفتيات، وتأثير الصديقات قوي جداً؛ لأن الفتاة يصعب أن تخرق القانون، الذي تسير عليه جميع الصديقات من حولها، فتسايرهن بسذاجة، ثم تصل في نهاية المطاف إلى نهاية بائسة، لا صديق معها ولا رفيق!!
كم هو محزن حتى في مجتمعاتنا المحافظة أن يخرج الفتى والفتاة سوياً بمجرد أن يكون هناك خِطبة، بل ربما لا تكون خِطبة، إنما هي مجرد فكرة مستقبلية! فيذهبان إلى البحر معاً، أو إلى السوق أو المقاهي دون حسيب ولا رقيب.
فما هي الأسباب؟!!
إن تتبعاً للحالات يكشف لنا عن شيء منها:
أولاً: غياب دور الأسرة.
سواء كان ذلك الدور التربوي، الذي يقوم على إعداد الفتاة للمستقبل، وبنائها نفسياً, وعقلياً, وعاطفياً، وتعريفها بالخطأ أو الصواب.
أو كان دوراً مادياً، يقوم من خلال الاكتفاء الذاتي لها، فيما تحتاجه من ملابس، أو حاجيات، أو شئون نسائية بالقدر المعتدل.
أو كان دوراً رقابيا يقوم على مراقبتها, ومعرفة علاقاتها, وتصرفاتها بقدر معتدل.
قد تنحرف البنت بمجرد الاستمتاع بما تظنه حرية، أو مواكبة للحياة العصرية.
وقد تحيد عن الجادة بسبب الفراغ العاطفي، وفقدان الحنان، وغياب المشاعر الدافئة في المنزل. فتسمع أو ترى شيئاً؛ يحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.
وقد تقع الفتاة بسبب ضعف الخبرة الحياتية، والعاطفية، والتباس الأمر عليها، فلا تعرف الخطأ من الصواب، ولا تفرق بين العاطفة الحقيقية وبين التمثيل الكاذب.
إن كثيراً من فتياتنا، أصبحن يتمتعن - للأسف - بطيبة زائدة, وسرعة تصديق عجيبة.
* إحداهن قالت لي - وهي تعتذر عن خروجها مع رجل أجنبي عنها كلمها في الهاتف: لقد توسل إلي حتى رحمته!
إذن! لابد من التوعية، وتعريف الفتاة بنفسها، وجسدها، وتنبيهها دائماً على خطورة أن يحدث خطأ؛ فتخسر كل شيء!! وقد تنحرف الفتاة بسبب الحاجة المادية، نتيجة التوسع في الاحتياجات الاستهلاكية من جهة، أو نتيجة الفقر والحاجة من جهة أخرى.
وقد تسقط الفتاة بسبب عرقلة الإشباع العاطفي المباح الشرعي، وتأجيل الزواج.
والوالدان مسؤولان مسئولية كبيرة عن مثل هذا القرار! والرأي الأول والأخير في قرار الزواج يعود إلى البنت، ولا يحل منعها أو إجبارها على من لا تريد إلا بسبب شرعي.
ثانياً : أجهزة الإعلام؛ التي تقدم صورة مغلوطة عن الحب والمشاعر؛ خاصة في ظل ضعف, أو انعدام دور الأبوين.فالحب يتمُّ ترديده وتداوله، عبر ساعات البث الطويلة، وفي الأفلام والمسلسلات، وفي أغاني ما يسمى ب: (الفيديو كليب) ومشاهدها المثيرة، التي بنيت - أصلاً - على رؤية غربية للعلاقات بين الجنسين! رؤية تقوم على اللمسات المثيرة, والنظرات الجائعة، والقبلات, والإثارة في مجتمعات مفتوحة, ومكشوفة، بل إن الممثلة، أو المغنية، أو العارضة؛ غالباً ما تكرّس وتربط ثنائية الحب والجنس، كما لو كان الحب هو الجنس، فينكسر بذلك الحاجز النفسي عند المشاهدين من الفتيات أو الفتيان للإقبال والإقدام على مثل هذه التجربة، والإعلام في ظل غياب دور المؤسسات التعليمية في مجتمعاتنا، وغياب دور الأسرة.
وضعف دور المؤسسات التوجيهية أصبح يصنع عقول فتياتنا وشبابنا! يحدد لهم أنماط سلوكهم، وطرائق عيشهم! وأصبحت هناك قنوات متخصصة في الإثارة يزداد عددها يوماً بعد يوم، وتعتني بشباب الخليج على وجه الخصوص! فالعبارات, والتوقيت, كلها تدل على هذا, بل والاتصالات والمراسلات.
ثالثاً : الازدواجية المقيتة في مجتمعاتنا, بسبب تضارب الأهداف.فالبنت مثلاً تتعلم في المدرسة شيئاً! وترى في الواقع الحياتي في البيت والسوق شيئاً آخر! وتشاهد في وسائل الإعلام أمراً ثالثاً مختلفاً.
وهذا يولد نوعاً من التناقض في السلوك.
يوجد من يتحادثون على الهاتف بغزل عفيف, أو غير عفيف! ثم يتوقفون لمتابعة إجابة المؤذن! ليعودوا بعد ذلك في مواصلة ما هم فيه!
* وبنات قد يصمن الاثنين, والخميس! وتقع إحداهن في علاقة غير محمودة!
بل ربما وصل الحال إلى أن بعض الأولاد والبنات ينخرطون في هذه العلاقة دون أن يروا تعارضاً بينها وبين المظهر الإسلامي, أو الواجب الشرعي.
وقد تتجاوز هذه العلاقة كل الحدود: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) }النور:«21»
إنها خطوة تتبعها خطوات.
في الإنترنت عبر المحادثات والماسنجر, أو الSQ أو مواقع الزواج في الإنترنت أو غيرها؛ تقع أشياء كثيرة! وأؤكد أنها مخيفة، والكثيرون لا أقول يظهرون على حقيقتهم؛ بل ربما يدخلون، وليس في نيتهم أي معنى رديء, ولا هدف سيئ! ولكن الخطوات بعضها يجر إلى بعض, وقد تكون البداية كما قال جميل:
وإني لأرضى من بثينة بالذي
لو أبصره الواشي لقرت بلابله
بلا وبألا أستطيع وبالمنى
وبالأمل المأمول قد خاب آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي
أواخره لا نلتقي وأوائله
ثم تتطور الأمور إلى شبكة يصعب الخلاص منها!
* إن الحب الحقيقي موجود! ولكنه غالٍ!
ويحتاج إلى جهد للوصول إليه.
إنه حب يبني, ولا يهدم.
حب يقود إلى الفضيلة, ولا يقبل الرذيلة.
حب ضارب بجذوره في الأرض، ينمو في جو صحيّ من العلاقة والعلانية الشرعية.
حب صامد في وجه الأعاصير.
|