Saturday 17th April,200411524العددالسبت 27 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هدية سلمان الجديدة هدية سلمان الجديدة
الثمامة امتداد أخضر لمدينة الرياض
د. عبدالعزيز بن حامد أبوزنادة/ الأمين العام للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها

إن التطور الذي أرسى قواعده خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -حفظهما الله- في كافة المجالات يتجسد جميعه في تطوير مدن المملكة خاصة مدينة الرياض؛ وتأتي حماية البيئة فيها متوائمة مع القفزات النوعية والكمية التي حققتها القيادة الحكيمة، وفقها الله، لتطوير بلادنا في مختلف مناحي الحياة.. لتصل بحمد الله إلى مصاف دول أخرى عديدة في العالم.. بل لتسبق ركب البعض منها. كيف لا! ومفاهيم التطوير وإعمار الأرض والمحافظة عليها متجذرة في حضارة إنسان هذه الأرض ونابعة من تعاليم شرعنا الحنيف.
مسيرة الرياض على درب المحافظة على التراث لم تتوقف.. قفزت خلال فترة وجيزة من الزمان من مدينة صغيرة في قلب الصحراء إلى مدينة ذات مجد وحضارة وتطور يعتز به ويفخر كل وطني مخلص، ولا تزال تمضي هذه المدينة في طريق التطوير بنماذجه المتزنة المبهرة نحو مستقبل أكثر نضرة ومتعة وازدهاراً.
وليس بخفي عن العلم أن من يحمل لواء تطوير هذه المدينة هو رجل حفر في القلوب حبه، تربطه بالمدينة علاقات حميمة. إنه أميرها المبدع.. ومهندسها الأمير سلمان بن عبدالعزيز لقد نجح نجاحا مبهرا في ربط ماضيها بحاضرها في انسجام بديع الحسن ينطلق دوما من توجيهات القيادة المباركة لبلادنا العزيزة.
هناك إيجابيات كثيرة تحققت من حماية الطبيعة في منطقة الرياض تتمثل في خفض حدة التأثيرات السلبية للصيد والرعي وقطع الأشجار؛ وتحسين بيئة المناطق المحمية (محمية حوطة بني تميم)؛ واستعادة أنواع حيوانية ونباتية فطرية كانت قد اختفت منها (مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية بالثمامة)؛ وتوفير فرص عمل للمواطنين في المناطق المحمية، وفي كل يوم يتنامى الوعي البيئي وتزداد المشاركات التطوعية في الأنشطة البيئية مثل استزراع المناطق المتدهورة ومسابقات خدمة البيئة وتنظيفها.. بل والدعم المالي من قبل بعض المواطنين الراغبين في حماية مناطقهم وتأكدت مرارا مساهمات الرياض إقليمياً ودولياً من خلال المشاركة في المنتديات العالمية مثل منتدى الرياض للمحافظة والمؤتمرالعالمي للمحافظة في جنوب إفريقيا وغيرها إسهاما في حماية الثروات الطبيعية.. الأمر الذي دعم وضع المملكة الرائد في حماية الطبيعة على المستوى الدولي.
إن الكم الهائل من الرئات الخضراء المنتشرة في كل مكان بالرياض ليس له حصر في الشوارع والحدائق والمتنزهات، وما الهدية الجديدة التي نتابعها عن كثب في مشروع متنزه الثمامة البري، إلا إضافة للأعمال العملاقة لمهندس الرياض، وامتداد طبيعي لروح النمو الشامل الساندة فيها، ونبع آخرمن منابع التراث في إطار مخططات هذه المدينة التي تقوم عليها بكل همة الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.
يعرف غالبية سكان الرياض لمنطقة الثمامة قدرها من حيث كونها متنفساً طبيعياً برياً فريداً؛ تماما كما يعرفون أميرها.. وهذه ميزة تجعل قلوب هؤلاء الناس متعلقة بما سيؤول إليه حال ذلك المكان، وليس من شك بأن الجميع يتطلع لأن يكون لهذا المكان بصمته في الحسن والتكامل كأمثاله من مشروعات تزخر بها الرياض.
تصادقت السياحة مع البيئة في السنوات القليلة الماضية لتفرز ما يعرف بالسياحة البيئية التي نتوقع أن تحقق التوازن في المعادلة الصعبة المتمثلة في فقد الموقع السياحي لجاذبيته حين تجورعليه الاستخدامات السياحية، ولاشك أن ذلك موضع اهتمام المسؤولين، من خلال ما نلاحظ، ترقباً للتخوفات المتمثلة في عشوائية المخيمات داخل وخارج المتنزه، ذلك لأن تأثير ذلك التخييم على المواطن البيئية لن تحمد عقباه بسبب تدميره لأشكال الحياة الطبيعية والتربة خاصة مع كثرة عدد وحركة المتنزهين وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى تفكك التربة والتصحر.
إن حرص المسؤولين بالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بقيادة الصديق المهندس الملهم الأخ عبداللطيف آل الشيخ، وفقهم الله جميعاً، على تلافي حدوث أية سلبيات حتى قبل مراحل التنفيذ ووضع التدابير الوقائية المناسبة لها، مثل الضوابط الكفيلة بعدم تدمير المواطن البيئية عند إنشاء المواقع السياحية، وإقامة البنية التحتية بما يتلاءم مع البيئة وطبيعتها، لهو محل تقدير كل فرد. وأهم من ذلك السيطرة على إدخال أنواع النباتات غير المحلية والاكتفاء في أعمال التشجير باستخدام النباتات المحلية مثل أشجار الطلح والسمر والسلم والأثاب والسدر المحلي والشجيرات والأنواع النجيلية التي تزخر بها بيئة المنطقة الوسطى.
ومن الاحتياطات المتوقعة أيضاً إيجاد وحدة أبحاث ومراقبة تكون مهمتها القيام بإجراء دراسات بيئية متكاملة للأحياء الفطرية النباتية والحيوانية الموجودة في محيط المتنزه لتحديد المناطق الهامة التي تحتوي على أحياء نادرة أو مهددة بالانقراض؛ ومراقبة ورصد التغيرات التي تطرأ على البيئة والأحياء والعلاقات المائية للأودية والشعاب الصغيرة والكبيرة مثل ضمان انسياب المياه في مجاريها الطبيعية أثناء مواسم هطول الأمطار حتى لا تتعرض المواطن الطبيعية للحياة الفطرية للجفاف بسبب انقطاع المياه عنها؛ ومراعاة ذلك بصفة خاصة عند إنشاء الطرق الأسفلتية والترابية والمخيمات البرية والعقوم والمصدات، وكذلك الإبقاء على نسبة من المواطن الطبيعية الغنية بالتنوع الأحيائي على طبيعتها وعدم استصلاحها للمحافظة على هوية البيئة حتى تظل ملاذاً للأحياء البرية الموجودة في المنطقة.
إن هذا المشروع الطموح في الثمامة توثيق لملحمة الإنجاز سيضيف حسناً وبهاء وتكاملاً إلى حسن الرياض.. ليس فقط على المستوى الحضاري والمعاصر بل ربط بالماضي التليد لبلادنا العزيزة ويتوقع له بحول الله أن يكون واحداً من أبرز معالم السياحة الطبيعية المستقبلية في المملكة.
إننا نثمن كثيرا مشروع متنزه الثمامة بضم مواقع مثل روضة الخفس إليه والاستفادة منها وبخاصة فيما يتعلق بتلبية الاحتياجات الترويحية والحضرية المتزايدة لسكان مدينة الرياض؛ وخدمة أهداف المحافظة على الروضة من التدهور وسوء الاستخدام؛ وتطوير مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية بالثمامة كأحد المراكز الوطنية المتخصصة في إكثار الحيوانات الفطرية المحلية؛ وكون المنطقة أحد المعالم البيئية الهامة في المنطقة الوسطى، بما يواكب النهضة التي تعيشها المملكة ويتمشى مع تطلعات القيادة المباركة للمحافظة على التراث الطبيعي.
وأما اقتراح الحديقة النباتية للأنواع النادرة ذات الأهمية العلمية أو الزراعية أو الاقتصادية فلا يستدعي الأمر إيضاح أهميتها التي تجمع بين الترفيه والتعليم والبحث العلمي والمساهمة الفاعلة في الحفاظ على التنوع الأحيائي العالمي، ويحظى المشروع باهتمام أمير الرياض وابنه مهندس السياحة وقائدها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز.
المعروف عن البيئة أنها موئل ومسكن لجميع مخلوقات الله، وما انقراض أو تدهور الموارد الوراثية العديدة في الماضي وتدمير البيئات الطبيعية وإهدار التربة وتغير المناخ إلا بسبب تزايد التحديات والضغوط البشرية التي بدلت معالم النظم البيئية المتوازنة ثم شكلت عقبات حقيقية في مواجهة تنمية الموارد الطبيعية.
لذلك فإنه في الوقت الذي يشجع فيه المسؤولون أن تكون جميع خدمات هذا المشروع العملاق صديقة متوائمة مع البيئة، يجب ألاَّ يكون جل اهتمام معظم الشركات المسؤولة عن السفر والسياحة بالدرجة الأولى هو المردود المادي السريع من الطبيعة بما تحويه من حياة فطرية تعد المورد الرئيسي للسياحة. فعليهم تحمل المسؤولية..إذ تجدرالإشارة إلى أن التوصيات العلمية الموجهة لصناعة السياحة تؤكد على ضرورة المحافظة على الحياة الفطرية في مواطنها منهلا وثروة تظل السياحة بها مستدامة ومتعلقة بالطبيعة.
ومن الجلي كذلك أن السياحة تمثل لكل إنسان يعيش حياة طبيعية منفذا للتخلص من أعباء الحياة واستعادة شحذ الهمم التي تضعفها الهموم من وقت لآخر؛ لذلك يجب أن تتعاظم قيمة الترفيه عند كل إنسان مثل طلبه للغذاء والماء؛ إلا أنها يجب أن تكون في دائرة احترامنا والتزامنا بمبادىء ديننا وتقاليدنا التي تفرض علينا التسابق على فعل الخير وإعمار الأرض صوناً لأنعم الله علينا.
أخيراً وليس آخراً فإن أخذ المسؤولين في الاعتبار بالاحتياجات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية جميعها في نفس الوقت يجب أن يقابل من قبل المشغلين والقائمين بالتطوير بالتزام متواصل للحرص على ذلك دون تغليب الاهتمام بأي من الاعتبارات على حساب الآخر في إطارالسياسة الوطنية للاستثمار المستدام طويل الأجل.
أدعو الله أن يوفق ولاة أمرنا الذين حققوا نمواً نوعياً وكمياً مطرداً في الاهتمام بالبيئة واحتياجات الإنسان في مختلف قطاعات الدولة؛ فهذه ملامح النهج الحضاري والفلسفة العميقة وراء شموخ دولتنا المعاصرة، الأمر الذي يتطلب دوما تكثيف وتطوير الجهود والمثابرة والتعاون لإعادة تأهيل البيئة وتجديد اتزانها واستعادة إنتاجيتها كما نشاهد في نموذج الرياض. إن كل فرد فينا يحلم بكل ما يبشر بلادنا بمستقبل مشرق مضيء، ونتمنى للمسؤولين عن مشروع متنزه الثمامة البري كل توفيق ونجاح.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved