ليس غريباً أن يحصل شارون من بوش على الدعم الذي يطلبه في هذا الوقت الذي تنشغل الإدارات السياسية والحزبية الأمريكية في الإعداد لانتخابات الرئاسة الأمريكية. فالأمريكيون جاهزون لتقديم كل ما يطلبه الإسرائيليون في موسم التنازلات الأمريكية، وكالعادة تقدم هذه التنازلات على حساب الحقوق الفلسطينية، ولكن الغريب أن يقدم الوسيط الأمريكي التنازل هذه المرة على حساب الشرعية الدولية ونسف الضوابط والقوانين الدولية، وكأن الرئيس الأمريكي لا يريد أن يثبت أن بلاده أصبحت وسيطاً غير نزيهٍ فحسب، بل أيضا محرضاً على التمرد على الشرعية الدولية، فالرئيس بوش لم يكشف عن انحياز إدارته الأعمى للباطل الإسرائيلي فقط ، بل وضع نفسه وإدارته وحزبه وبلاده في الجانب الذي يؤيد دولة مارقة رفضت بإصرار تنفيذ قرارات دولية ملزمة أصدرها مجلس الأمن الدولي، المرجع الكوني لتحقيق السلام، إذ إن تصريحات بوش الأخيرة تعد سابقة تاريخية ليس فقط في دعم الانتهاكات الإسرائيلية، بل تعد سابقة تاريخية تشجع على انتهاك الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن التي أقرت بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وحق العودة وعدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية.بل إن أقوال بوش أعلنت وفاة مبادرته المسماة (خارطة الطريق) لأن ترجمة أقواله تعني استحالة إقامة أية دولة فلسطينية كالتي دعا إليها بوش في مبادرته. وبالتالي فإن ما ذهب إليه الرئيس الأمريكي في انحيازه لابتزاز شارون طمعاً في الحصول على دعم الدوائر الصهيونية في أمريكا في معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية يعد بمثابة إعلان وفاة لكل الجهود والاتفاقيات السابقة التي تم التوصل إليها طوال مسيرة عملية السلام بما فيها خطة خارطة الطريق، وأن هذا الموقف الأمريكي المنحاز بشدة للتمرد الإسرائيلي الذي حصل على تأييد ضمني من المرشح الديمقراطي جون كيري يجعل الخيار أمام الفلسطينيين معدوماً، ولم يبق لهم سوى المقاومة بعد أن ثبت فشل عملية السلام بعد توقيع بوش شهادة وفاة مبادرات السلام.
|