Saturday 17th April,200411524العددالسبت 27 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حقوق الطفل والإنسان والوطن! حقوق الطفل والإنسان والوطن!
عبدالعزيز السماري

منذ فترة غير قصيرة، استجابت المجتمعات إلى نداءات التوعية والتثقيف بحقوق الإنسان، وتحركت قليلاً إلى الأمام من أجل المطالبة بإخضاع المعاملات الرسمية وغير الرسمية إلى شروط تلك الحقوق، ذلك المجتمع الذي يردد (ما من مولود إلا يولد على الفطرة )، ويرتل في محكم كتابه {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (38) سورة المدثر..خرج من حالة الانفصام المزمنة بين النظرية المثالية، والتطبيق البعيد عن مبادئها، وتلك بالأكيد بادرة إيجابية، وخطوة جديدة للتغيير في الطريق الصحيح.. خلال الشهور الماضية، ظهرت إعلانات عن إقامة ندوات لحقوق الإنسان، ومؤتمرات للحوار عن تعذيب واضطهاد الأطفال، وأصبح الصوت الذي يعبر عن معاناته أمراً مقبولاً عند الكثير، وهي من دون شك مرحلة جديدة، ستحفل بالمفاجآت، وبالقصص، والصور المعبرة من الواقع، وعندما نتحدث عن الاضطهاد والتعذيب في حياة الإنسان في الحاضر سواء كان طفلاً أم بالغاً، فإننا يعني أن نتحدث بطريقة غير مباشرة عن أطفال الحاضر، وعن أطفال الأجيال السابقة، أو رجال ونساء اليوم، وعن تلك المعاناة أو حياة الاضطهاد التي أدت إلى خلق شخصية المضطهد لأبنائه أو بناته أو عائلته أو المجتمع، فالرؤية النفسية، التي تشير إلى أن الإنسان المضطهد (بفتح الهاء) في فترات سابقة ينتقم من ماضيه، ويضطهد الآخرين في المستقبل، إن حدث، وتسلم سلطة أو مسؤولية في حياته الأسرية أو العملية، قد لا تثبت صحتها من ناحية علمية، إلا إنها برغم من ذلك ظاهرة حية، لا نتوقف عن مشاهدتها في كثير من الصور الاجتماعية..
عندما نتطرق لحلقات الاضطهاد والتعذيب وضحاياه في المجتمعات، فلابد أن نطلق العنان لحركة تلك العجلة، كي تسير بلا قيود، فالشفافية والوضوح، والعمل من أجل رفع الظلم هو الطريق النموذجي من أجل الحفاظ على توازن المجتمعات واستقرارها..، سيكون للطفل الحصة الأكبر في إحصائيات ودروس وأرقام رحلة البحث في ملفات الاضطهاد، ولن تخلو بالتأكيد من حال الأب الذي لا يستطيع التصريح بقلة حيلته أمام تحديات الحياة القاسية، ليدفعه وضعه البائس إلى تنفيذ أحكام الشدة، والقسوة وبناء الجدران الصامتة والعازلة، واهماً أنها تحميه من كثرة سؤال ومطالب، وتمرد الأبناء على ضعفه وفشله في توفير الضروريات لهم.. في رحلة الانتقال غير القصيرة إلى العهد الجديد، تكررت كثير من الصور الاجتماعية التي لا تزال ذكراها حية في خيال المرء، وقد حان الوقت لكشف اعتدائها السافر على حقوق الطفل والإنسان والمجتمع....
أبناء ذلك الجار، الذي يستقبل أبناءه يومياً بالضرب المبرح، وبالشتم، والغضب الشديد، إن حدث وشاهدهم يوماً ما خارج البيت، لقد كانت تلك إحدى وسائل الحكم بقبضة من حديد، وتمر الأيام بعد رحيله إلى العالم الآخر، ويشهد الأبناء تغييراً مفاجئاً في المجتمع، ويشعرون بالصدمة، ليعلنوا التمرد، ويتحولوا إلى ممارسة العصيان في جهر وعلانية على أخلاقيات المجتمع وأنظمته وقوانينه وأعرافه ...
اضطهاد بعض المدرسين للطلبة وضربهم بالسياط، بعد إحكام السيطرة على أجسادهم الصغيرة باستخدام الآلة الشريرة آنذاك (الفلكة)، تنفيذاً للقانون الأبوي الشهير (لك اللحم ولنا العظم) ..،
موقف الرجل الذي يخجل من ذكر اسم أمه، وإذا أراد الإشارة إلى زوجته الكريمة سبقها بعبارة، نخجل من ذكرها في هذه المقالة.. ذلك الشرف الذي لبس العباءة، وتجسد في سلوك وتصرفات الأنثى، بينما ظلت، وستظل لزمن طويل أفعال (الذكر) مهما عظمت مساوئها فخراً وفحولة ورجولة.... الآخر الذي تسبق ذكراه أشد عبارات الشتم، والإقصاء، والإبعاد، بعد أن تم وضعه في قفص الاتهام، فلا يستطيع الخروج من ذلك القفص المكبل بقيود الرفض لكل أنماط العلاقات الإنسانية، ولا يقدم لمحاكمة عادلة في ميزان التاريخ الشديد القسوة، ليأخذ فرصته في الدفاع عن حقه المشروع في المعاملة بالحسنى، وب(حسن الظن) وبمشروعية الاختلاف، أو ليثبت للأبد براءته من دم الانشقاق التاريخي....
الثقافة في الشرق العربي أيضاً كان لها نصيب، فقد قمعها بعض المتشددين باسم الدين في خندق السرية، وأشهروا ضد ممثليها بسبب مواقفهم الاجتماعية أو السياسية أشد عبارات الإقصاء والتكفير والردة.. لتخرج من سجنها الطويل مشوهة من الداخل، وتحمل بين سطورها، وفي دلالات رموزها معاناة الاضطهاد والرغبة في مواصلة المقاومة، لينضم المثقف في أحيان إلى صفوف المدافعين ضد الاستبداد، أو يتسلح في أحيان أخرى بكلمة لا تعترف بفضيلة العفو عند المقدرة ضد من مارس الاضطهاد ضده بالأمس، لينتقم بلا وعي من الماضي الذي غير من ملامحه وطبائعه الإنسانية ...
أو ذلك الداعية الإسلامي الذي تسربت من بين قضبان زنزانته إلى المجتمع أقسى أحكام التكفير ودعاوي الجهاد ضد الكفار، حين تركت سياط جلاده، وفي ذاكرته آثار مستديمة من جروح العذاب الجسدي والنفسي.. ليشهر سيف الفضيلة المطلقة ضد الجميع، ويحشد أنصاره، ويفجر، ويقتل ....
الوطن الذي عانى من تهميشه، واختزاله في مصطلحات قديمة مثل الأمة، أو جديدة مثل (النظام العالمي الجديد)، لازال أيضاً يبحث عن حقوقه، وعن معاني جديدة في سياق حركة الإنسان الجديدة في المجتمع الأبوي والقبلي القديم..
أو الوعي الجديد عندما تتلاعب السياسة العالمية متمثلة في الولايات المتحدة بذكائه المتطور وبروح المبادئ التي ترفعها، لكن ترفض الالتزام بها في مواقفها المعلنة من قضايا الشرق العربي والإسلامي، تلك الحقوق التي ليس لها وجود واقعي في عرف السياسية الغربية إلا داخل حدودها، حيث تضرب بها عرض الحائط خارج الحدود، وتعامل الآخرين خارج المنظومة الاقتصادية الغربية المتطورة، وعلى وجه التحديد العرب والمسلمين بازدواجية شديدة التنافر في المعايير، ولعل ما يحدث في العراق من فوضى اجتماعية ودموية وعنف ومقاومة شديدة البأس هو مثال حي على آثار دورات متعاقبة من الاضطهاد السياسي الداخلي والخارجي..


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved