في تقرير الإعلام الذي قدمه وزير الثقافة والإعلام في مجلس الشورى تطرق معاليه لكثير من القضايا المتعلقة بتطوير العمل الإعلامي وركز على وجه الخصوص على الإعلام المرئي (التلفزيون) وطرح الوزير الحاجة الماسة لدعم القنوات التلفزيونية السعودية وتطورها حتى تقوى على المنافسة وتلعب دورها في التطوير الثقافي والإعلامي للمجتمع ولخص مطالبه في النقاط التالية:
- أهمية الدعم بالمال والخبرات ليصبح التلفزيون قادرا على أداء رسالته.
- تطوير عمل الإعلام الخارجي ودعمه بالكوار والإمكانات المادية والوظائف المناسبة.
- توفير مخصصات للدراسات والبحوث للتعرف على مؤشرات الرأي العام حول اداء التلفزيون وبرامجه.
- الإسراع بتحويل الإذاعة والتلفزيون ووكالات الأنباء إلى مؤسسات عامة بالتنسيق مع الوزارة مع توفير القدر الأقصى من المرونة الإدارية والمالية.
ولعل ما يكرس أهمية طرح معالي الوزير هو الدور الهام الذي اصبح يلعبه الإعلام المرئي على وجه الخصوص في دعم وتطوير ثقافة المجتمع وتشكيل الصورة النهائية لطبائع الأمم من خلال القدرة الكبيرة على توصيل الرسالة الإعلامية بكل محتوياتها وتفاصيلها واستقطاب ملايين المشاهدين الذين أصبحت وسائل الإعلام بمثابة المدرسة المستمرة والجامعة المفتوحة في حياتهم ويمثل التلفزيون رأس الرمح في عملية التنوير الإعلامي والثقافي لمجتمعات اليوم للقدرات المتميزة والأثر الكبير الذي تحدثه الصورة الحية في نفس المتلقي مما ينطبع في ذهنه ويترك أثراً فعالاً ولكن تبقى هنالك حقيقة وهي انه مهما بذلت من جهود لتطوير البث المرئي رأسياً فلن يحقق الأهداف المنشودة في غياب التطوير الأفقي واقصد به إنشاء محطات تلفزيونية في المناطق والمدن الرئيسية المختلفة داخل المملكة مع استمرار القناة الرئيسية في أداء دورها خاصة وان هنالك بعض المناطق القليلة لا يصلها بث المحطة الأرضية المركزية وان المحطات الفضائية تجابه منافسة حادة من قنوات تنشر ثقافات دخيلة
.إن الحاجة لنشر المحطات التلفزيونية في المدن والمناطق لا تحتمها الدوافع الفنية فقط فهناك إطار ثقافي يتم داخله هذا التصور - إنشاء محطات تلفزيونية في المناطق والمدن الكبيرة - هو إطار وحدتنا الوطنية الراسخة والمرتبطة بالعقيدة الإسلامية والتقاليد والقيم السعودية الضاربة في تاريخ هذه الأمة وبالميراث التاريخي المتأصل منذ نشأة هذا الكيان وتأسيسه وتوحيده على مبادىء الشريعة ليعكس وجه الإسلام السمح وقيمه الفاضلة في التعايش والتمازج والاحترام للجميع. كما ان الرؤية الثقافية لهذا المشروع تقوم على التنوع الثري في المجتمع السعودي داخل هذا الوطن المترامي الأطراف والثقافات المتنوعة والمتفاعلة والمتكاملة التي يذخر بها هذا البلد والتي ستكون مصدر دعم وقوة لهذا الإعلام المرئي ولهذه المحطات الجديدة التي ستعمل على تفعيل هذه الثقافات ومزجها وتطويرها وابرازها بشكل فعال لتحقيق الوحدة الوطنية ودعمها من خلال التنوع Unity through diversity لدعم النسيج المتماسك لمجتمعاتنا الناهضة وحضارتنا العريقة والعقيدة السمحاء.
يمثل قيام قنوات في المدن الكبيرة والمناطق خطوة كبيرة في طريق تطوير القدرات الإعلامية ونشر الرسالة الإعلامية بكفاءة وتركيز عاليين، فهو من جهة يخفف العبء على القنوات الرئيسية المتخصصة أو العامة ويطور برامجها من خلال التركيز على القضايا الشاملة وترك التفاصيل لتلك القنوات المحلية الجديدة التي تصب مجمل اهتماماتها على المناطق وتوظف برامجها على هذا الأساس ويترتب على ذلك عدة تغيرات هيكلية وتنظيمية وبرامجية تؤدي إلى نهضة شاملة في أداء قنواتنا التلفزيونية الأرضية والفضائية ويجعل رسالتها اكثر قدرة على الوصول (reach) إلى المجتمعات Target Audience التي تعمها دائرة البث واكثر قدرة على جذب المشاهدين المحليين بتحقيق متطلباتهم واهتماماتهم من خلال البرامج التي تهمهم وتخاطب خصوصيتهم البيئية والثقافية لتحقيق اكبر قدر من الانتشار ودرجات المشاهدة بالإضافة إلى مزايا أخرى كثيرة منها:
- تغطية تفاصيل النشاط الاقتصادي والمهني حسب نوع وأولويات الاهتمام المحلي ومن باب المثال لا الحصر النشاط السياحي في مناطق الجذب السياحي ومناطق الآثار والطبيعة والمخيمات والمناظر الجبلية والتركيز على البرامج الزراعية في مناطق الزراعة والتوعية الزراعية من خلال برامج تفصيلية جاذبة وبرامج البيئة في المناطق ذات الحاجة لحماية البيئة...الخ.
- تركيز حملات التوعية والإرشاد بقدر حاجيات المنطقة وما يمر بها من مستجدات وطوارىء مثل الحملات الإعلامية في مواجهة انتشار بعض الوبائيات في بعض المناطق كما حدث بجيزان مثلا عند ظهور مرض (حمى الوادي المتصدع), ايضا في دعم الحملات الصحية وحالات الطوارىء كالتبرع بالدم والفحص الطبي والمشاكل المناخية والطبيعية كالفيضانات والسيول وغيرها.
- تطوير عمل التغطية التلفزيونية للأحداث اليومية مما ينقل الحياة اليومية بتفاصيل مصورة يستغلها التلفزيون في توصيل رسائله الإيجابية مثل توجيه حركة المرور وتخفيف حالات الزحام واعطاء النصائح لقائدي المركبات وتصوير بعض المناطق والشوارع التي يحدث فيها طارىء يعوق حركة السير وتغطية الحوادث بشكل اسرع لتنبيه الناس وتغطية اقسام الطوارىء في المستشفيات والنشاط الصحي.
- في إطار التمدد الكبير للمملكة جغرافيا وتباعد مدنها ومناطقها يتم تجاوز حاجز الفوارق الزمنية من خلال التزام التلفزيون المحلي بمواقيت المنطقة مما يربط البرامج بمواقيت الصلاة والشعائر الدينية بشكل دقيق مثل الإفطار في رمضان ووقت الصلاة ووقت الإمساك.
- تغطية أخبار الأحوال الجوية والمناخ بشكل أكثر تفصيلا حسب ظروف واهتمامات السكان لمعرفة حالات البحر بالنسبة للصيادين في مناطق الصيد والرطوبة وسقوط الامطار ودرجات الحرارة في مناطق الزراعة وتأثيرها على المواطن حسب اهتمامات العمل في المنطقة وحاجته للمعلومة بتفصيل أكثر مما يتم الآن.
- تغطية الأخبار المحلية والندوات وعمل الدوائر الحكومية والزيارات الرسمية من المسئولين في المنطقة والإنجازات التي تحققها المؤسسات الرسمية أو الأهلية في المنطقة والتي لا تتاح لها فرصة التغطية في المحطة الرئيسة لمدة كافية.
- المساندة الفورية للقناة الرئيسية عن طريق مدها بأخبار المنطقة متى ما برزت الحاجة لذلك مما يربط مناطق المملكة ببعضها البعض ويعكس اخبارها ومناسباتها المختلفة بكفاءة أكثر لمعرفة القناة المحلية بالتفاصيل الصغيرة التي قد تكون هي ما يلبي احتياجات المتلقي (المشاهد) بحكم تواجده.
- دفع عجلة الإنتاج البرامجي من خلال تلبية حاجة هذه القنوات إلى برامج من صميم البيئة المحلية مما يوفر فرصة لشركات الإنتاج المحلي في مجال الأعمال الدرامية والثقافية والتوثيقية والإخبارية.
- توفير فرص عمل واسعة في مجال المهن والوظائف الفنية والإعلامية والإدارية من خلال العمل في إدارة وتشغيل هذه القنوات.
- توفير مصادر تمويل ذاتية من خلال الإعلان المحلي بأسعار اقتصادية تؤدي إلى استقطاب المزيد من الشركات الوطنية المتواجدة داخل وخارج المنطقة فليس من المعقول ان يدفع المعلن المحلي ثمن اعلان لكافة المملكة لموقع أو منتج محلي وهذه فرصة كبيرة للدخل وخدمة المستهلك المحلي ودفع العجلة الاقتصادية المحلية في كل المناطق.
- دعم العمل الثقافي والإبداع في المنطقة بتغطية نشاط الأندية الأدبية والموهوبين والمبدعين في مجال العلوم والآداب والثقافة وغيرها.
- دعم الرياضة في المنطقة بإتاحة فرصة أكبر لتغطية الأنشطة الرياضية وتغطية المناسبات المختلفة مما يشجع النهضة الرياضية في المنطقة ويمكن بث أو حجب أي حدث رياضي وذلك لتشجيع الحضور الجماهيري كما يحصل في الدول المتقدمة رياضيا حيث يكون بث القناة الرئيسية من خلال المحطة المحلية.
وهناك عدة عوامل في الوقت الراهن ستسرع من إنجاز هذا المشروع وتساعد في إقامة هذه المحطات بنجاح تام وفي زمن وجيز ومنها:
- موافقة مجلس الوزراء على توصية مجلس الشورى على تحويل الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء إلى مؤسسات عامة الأمر الذي سيؤدي عند تطبيقه إلى إتاحة مقدار عال من المرونة وحرية الحركة لهذه الأجهزة للتطوير عند تنفيذ القرار والاستفادة من الدخل المادي والمزايا الأخرى.
- وجود الخبرات المهنية المؤهلة والقادرة على إدارة وتشغيل التلفزيون وذلك بفضل ازدهار وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة ووجود كادر وطني على دراية وتخصص بالإضافة إلى خريجي الكليات الإعلامية والفنية الذين يمكن صقلهم بالتدريب المتخصص والاستفادة من خبرات القنوات السعودية الخاصة.
- وجود محطات تلفزيونية مجهزة في عدد من المدن والمناطق تحتاج إلى بعض الإضافات كما ان تكلفة إنشاء محطة جديدة قد انخفضت كثيرا واصبحت في حدود الـ15 مليونا كما ان المبلغ في انخفاض مستمر، كذلك يوجد أكثر من 130 مركزا تلفزيونيا يمكن الاستفادة منها في هذا الخصوص.
- وجود شركات انتاج تلفزيوني متعددة ونشطة في المملكة يمكن ان تكون مصدرا ورافدا مهما لمد هذه المحطات بالبرامج بالإضافة لما يقدمه التلفزيون الرئيسي العام.
هذا التصور يتم على أساس وجود بنى تحتية قادرة على استيعابه لذلك قد تظهر بعض المشاكل الفنية في وجه هذا المشروع وتتمثل في سعة شبكة البث التلفزيوني في الوقت الحالي في المملكة وقدرتها على استيعاب هذا الكم الوافر من المحطات الأرضية وهي من الإشكاليات التي يمكن معالجتها في ظل وجود النية الجادة لهذا التوجه باستثمار قليل نسبياً بمقارنة العائد الإعلامي والاقتصادي المتوقع.
تبقى المحطات الرئيسية بمختلف تخصصاتها كداعم للمحطات المحلية تشرف على أدائها وتقوم بمدها بالبرامج والأخبار من خلال التشبيك الذي سيتم بينها وبين هذه المحطات كما سيتواصل البرنامج الرئيسي في تغطية مجمل القضايا والأخبار الرئيسية مثل الأخبار السياسية، الإعلانات الموجهة لكافة أنحاء المملكة، الأحوال الجوية لكافة مدن المملكة، البرامج التي تهم كافة المواطنين، المناسبات الوطنية والصلوات في الأماكن المقدسة وغيرها من البرامج التي تتناول اهتمامات كافة المشاهدين التي سيتم بثها في وقت واحد بالتزامن مع الشبكة المحلية (prime time) كما تتكون هيئة مشتركة لتقويم البرامج واداء المحطات المحلية والإشراف على التبادل البرامجي وتدريب الكوادر الإعلامية حتى يصبح العمل الإعلامي المرئي في حالة تفاعل وحراك مستمر.
إن الإعلام عنصر مهم من عناصر النظام الاجتماعي حيث يوفر الإعلام المعلومات حول مختلف القضايا الحياتية ويعمل على النهوض بثقافة المجتمع وإزكاء القيم الفضلى ويمثل التلفزيون وسيلة فعالة لتفعيل هذه القيم وحتى لا يهدر الجهد الإعلامي وتتبدد هذه الرسالة الموجهة للمجتمع فإن قيام شبكات مرتبطة من المحطات التلفزيونية المحلية يصبح ضرورة في الوقت الراهن وهنالك بلدان عربية لها أكثر من 40 محطة محلية غير المحطات العامة وفي بلد مثل فلسطين ورغم غياب الاستقرار والدمار الذي يصيب البنية التحتية توجد شبكة من 10 محطات محلية وشركة إنتاج ضخمة ترفدها بالبرامج والعالم كله يتجه نحو نشر القنوات التلفزيونية على المستوى الأفقي والرأسي بعد ثبوت الجدوى الاقتصادية والأهمية الإعلامية وبسبب الحاجة إلى اعطاء البرامج المنتجة القدر الأكبر من المشاهد والتأثير حيث تؤكد الدراسات الميدانية إن الفاقد الكبير في نسبة المشاهدة والذي قد يصل إلى 85% يمكن ان يقل إلى درجة كبيرة وترتفع نسبة المشاهدة من خلال نشر المحطات المحلية وانتاج برامج تتناسب مع التنوع الثقافي والديموغرافي على مستوى المدينة او المنطقة. لقد كانت معظم مداخلات الاعضاء في مناقشة تقرير الإعلام الذي قدمه معالي وزير الثقافة والإعلام منصبة على التلفزيون مما يؤكد الدور المهم الذي يلعبه التلفزيون في تنوير المجتمع وتطوير ثقافاته وقد آن الأوان ان تستقل هذه الأجهزة وتشق طريقها نحو التطور والمنافسة وتحقق اهدافها على نطاق مجتمعاتنا في كل أرجاء المملكة.
(*)ماجستير الإعلام والعلاقات الدولية - الولايات المتحدة الأمريكية
موظف سابق بالتلفزيون السعودي |