لا مفر من الاعتراف بأن اللغة مشحونة بحضور ذكوري طاغٍ ومتسلط، ولا فرق في هذا بين لغة الكلام ولغة الكتابة وحتى اللغات الأيقونية المستخدمة في تنظيم بعض المجالات الحيوية، خاصة ما ارتبط منها بالاقتصاد والاتصال والترفيه.. هذا الاعتراف لا يعني أن العمل على تحرير اللغة من تلك الهيمنة يبدأ من اللغة نفسها لأننا بذلك نعالج النتيجة ونترك السبب، فاللغة أداة اتصال وتعبير وهي في أعلى تجلياتها سلوك وفعل دال على أفعال أو أفكار أخرى، قد تكون غائبة أو ذات مضامين قيمية ونهائية، فعندما تصبح هذه الأفكار والأفعال الغائبة والمضامين والقيم النهائية مشبعة بالشعور والرغبة في الهيمنة والاستحواذ على حساب فرد أو جماعة أو فئة أو نوع من البشر الآخرين.. فإن اللغة التي يتحدثها أو يكتب بها أو حتى يفهمها حاملو تلك الأفكار لن تقدر أن تفلت من أسر ذلك الشعور وتلك الرغبة المتوحشة.وإذا استعرضنا سجل الكثيرات من الكاتبات والشاعرات والأديبات بحد سواء لا نجد سوى الشاعرة الكبيرة الدكتورة سعاد الصباح فهي الوحيدة التي حررت هذه اللغة من إطارها الذكوري الطاغي الذي أحاط بها، وقد خاضت هذه الشاعرة الكبيرة معركة تحرير اللغة من السلطة الذكورية مسلحة بالموهبة والشجاعة والقدرة والإرادة والحرية، وجعلت اللغة حرة طليقة من الهيمنة الذكورية والتي سيطرت عليها كثيراً، ولم تستطع أي امرأة في العالم العربي من التصدي لها أو تحريرها إلا الشاعرة سعاد الصباح، فقد كتبت هذه المهرة الأصيلة بحوافرها نشيد الحرية.. وأخذت حربتها الأصيلة لقتل غول الخرافة، فهل شهدت أي شاعرة عربية قديماً وحديثاً شاعرة مثل سعاد، هذه الشاعرة التي قادها عشقها الجارف للحرية والتي تغنت بنشيد الحرية بمختلف الأنغام والإيقاعات، وحلقت طويلاً في سماء الحرية حتى بلغت أعلى نقطة وصلت إليها شاعرة عربية في وسط مجتمع ذكوري بحت وطاغٍ، وهل تملك أي شاعرة أو أديبة مثل هذه الشجاعة.
|