Friday 16th April,200411523العددالجمعة 26 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نقوش وجدانية في جبين الكتابة نقوش وجدانية في جبين الكتابة
محمد بن عبدالعزيز الموسى*

مضيت أتساءل عن زخم الجمل وتدفق المفردات وتمدد العبارات التي تلوح في ملامح تلك التعقيبات.. ترى هل نحن بحاجة إلى قدر كبير من الشرح والاسترسال والتشعب من خلال اجترار معادلات كتابية وقوالب لفظية وملء أوعية الكلام عبر نمط استهلاكي حاد يغتال الجمل تحت وطأة الثرثرة؟
ترى هل نحن مجتمع سلبي نتحدث فيه عن مشاكلنا وهمومنا أكثر من حديثنا عن طرق علاج تلك المشاكل.. تحت وقع خطى النقد والتأنيب والتباكي من خلال نظرة سلبية تغض الطرف عن تعزيز الجوانب الإيجابية في المجتمع؟
نحن مجتمع منهمك في ممارسة الكتابة وفتح نوافذ البوح واستهلاك كميات كبيرة من الحبر والوقت وإطلاق العنان لركض كتابي محفوف باللهاث.
أحياناً نعتمد في كتاباتنا على استفزاز الطرف الآخر محاولين استنطاقه وإذابة جمود اللحظة وتحريك مدارات النقد بحثاً عن صفيح ساخن.. يقتنص زوايا الإثارة..
لماذا نكتب؟ ومتى نكتب؟ أقولها بملء فمي.
الكتابة هذا الهمّ الكبير والهاجس الجميل الذي يفتّق عما في ذواتنا من رؤى ومشاعر لتتجلى بوحاً صادقاً ومتشحاً بالقبول أو الرفض.
الكتابة نزوح عذب.. سفر ماتع.. وإبحار مثقل بالشجن بين تضاريس الجمل بحثاً عن مدن الفضيلة.. قد تستحيل الكتابة إلى مجرد انتهاك لحرمة الحرف وتغلغل في أعماقه المسكونة بنبض الكلمة.
وربما كانت الكتابة اشتباكاً مع الذات.. وقناة تفريغ عناء نفسي أو جهد بدني عبر دائرة معبأة بتفاصيل الهواجس.. أحياناً تكون الكتابة استجابة لموقف انفعالي أو تفاعل مع موقف حياتي يسجل حضوراً مشرفاً في ذاكرة حبر يتوهج وأحرف تتأجج.
ترى إلى أي حد يمكن أن تمتزج طقوس الكتابة بهموم الكاتب بعيداً عن أطر الذات؟ كم يكون البوح رائعاً عندما يتجلى هماً حياتياً يذرفه الكاتب بعيداً عن قيود الذات ونرجسية الأنا.. حتى لا يكون الهدف مجرد تسجيل حضور وإثبات ظهور مع صورة ملونة.
الكتابة الحقيقية ليست مهنة، والكاتب الحق غير قابل للبرمجة وتعليب المقالات الجاهزة وضخّ القوالب الكتابية المعدّة، وإنما يدع لنفسه الحرية في اختيار المواقف المجتمعية ورصد ظواهرها وقضاياها والاندماج مع مشاهد الحياة ومعايشة هموم الآخرين.
الكاتب الحق هو الذي يكون صدى طيباً لمجتمعه.. يؤمن بالقيم.. ويسمو بالطرح، وينوّع طرق المعالجة وهو يتصدى لساحة النقاش.. حاملاً مفرداته ومرتحلاً برؤاه مدافعاً عن أصالة فكره عبر مواقف كتابية راسخة بعيدة عن التشنج والانفعال والانتصار للذات.. نعم الكتابة الحقة شرف لا ترف.. امتداد واعتداد.. ومشاعر حبلى بالاحتراق.. أوراق يلوّنها الكاتب بريشة عاطفته.. ويذيب عليها حبيبات فكره مستشرفاً آفاقاً نديّة ودوائر نقيّة.. مفتشاً عن كل نقطة ضوء يمكن أن تسهم في تنوير المجتمع وترقى بوعيه..
عذراً معشر القوم.. فليس ثمة أروع من (مخاض كتابي) ينوء بهموم القارئ ويحمل شجن المجتمع.. والكاتب البارع هو الذي يختزل مسافات البوح بينه وبين قرائه.. مستوعباً مقومات الكتابة.. مؤمناً بأهدافها السامية.. مختزناً أصداء المجتمع.. ومعايشاً لقضاياه.. عبر طرح كتابي متميز تغذيه حرارة العاطفة وروعة الانفعال وتدفق المشاعر..
أجل الكتابة عطاء وانتماء.. وتجربة حية قادرة على الامتزاج بهموم الآخرين ونقل ما يختلج في نفوسهم من رؤى وهواجس وتساؤلات يمنحها الكاتب بعداً إنسانياً مؤثراً.. فلا غرو أن يبحث القارئ عن ذاته في مدارات الكاتب.
عفواً.. أقولها لكل كاتب صادق يمتشق يراعاً مسافراً في قافلة المجتمع.. ومنعتقاً من ضجيج الأحرف وصخب الجمل التي تتلاشى في ثناياها هموم القارئ.. الذي ما زال يحتفي بكل قدوم كتابي يمتص حدة المواقف الحياتية ويرصد منعطفات الواقع الاجتماعي تحت وقع خطى المعالجة.. القارئ سيجد نفسه أمام جموع من المقالات المتنوعة.. ولن يحتار.. بل يعرف أيّها يختار.. ترى هل فكرت أيها الكاتب بردة فعل المتلقي؟ هل بحثت عن قرائك.. تماماً كبحثك عن مفرداتك؟ هل سافرت في أعماقهم وغمست مدادك في قضاياهم؟ هل تجاوبت مع مشاعرهم؟ هناك كتَّاب يكتبون لأنفسهم فقط.. ممارسي تهميش القارئ!!

* بريدة ص. ب: 915


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved