بدأت العناية بالسنة النبوية في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث اعتنى بها أصحابه أيما عناية، حفظاً في الصدور، وكتابة في السطور، عملاً بها، وتفقهاً في أحكامها، ودعوة إلى التمسك بما ورد فيها، وابلاغا لها إلى الخلق أجمعين، وورث عنهم التابعون ومن تبعهم هذه العناية، وزادوا على ذلك اهتماماً خاصاً ببيان وتتبع أحوال نقلتها، إضافة إلى التنوع في التصنيف فيها، وهكذا تتابع السلف الصالح في نقلها، ونقد رواتها، واستنباط الأحكام منها، وإزالة ما يوهم الاختلاف من ألفاظها ومعانيها...
ولم يختص أمر العناية بالسنة النبوية على العلماء والرواة فقط، بل كان الخلفاء والأمراء يولونها جل اهتمامهم، فهذا عمر بن عبدالعزيز الخليفة الراشد يكتب إلى أبي بكر بن حزم: (انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء).
وهكذا توارد الخلفاء - في أكثر العصور الإسلامية - على العناية بالعلم والعلماء، وذلك بإنشاء دور الحديث، وجمع الكتب والمصنفات الحديثية، وإعانة الطلاب، وحثهم على الرحلة في طلب الحديث.
وفي عهد الدولة السعودية - حفظها الله تعالى - تجلت هذه العناية في أمور كثيرة منها: إنشاء الكليات والأقسام المتخصصة في السنة النبوية وعلومها، وطبع الكتب الحديثية محققة وموثقة، وتشجيع الدراسات والابحاث في هذا المجال، وكان خاتمة هذه الاهتمامات ما أمر به خادم الحرمين الشريفين من إنشاء مركز لخدمة السنة والسيرة النبوية في المدينة المنورة، ليعنى بالسنة والسيرة النبوية تحقيقاً وطبعاً ونشراً ودعوة للتمسك بها، وأضاف إلى أعماله الجليلة عملاً آخر، فقد أمر قبل ذلك بإنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وإذا كانت عنايته -حفظة الله تعالى - بالحرمين الشريفين جعلته يشْرُف بتلقيب نفسه ب(خادم الحرمين الشريفين) فإنني أرى أن عنايته بالقرآن الكريم والسنة النبوية تجعلني أراه أهلاً لأن يلقب أيضاً بلقب (خادم الكتاب والسنة) وذلك لجليل عنايته بهما، وجهوده الخيرة لنشرهما والمحافظة عليهما، وما هذا المؤتمر إلا ثمرة من ثمرات هذه العناية المباركة.
( * ) أستاذ في كلية أصول الدين بالرياض |