* القاهرة - مكتب الجزيرة - أحمد سيد:
أكد الدكتور محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ان عدم اكتشاف أسلحة دمار شامل في العراق حتى الآن وبعد مرور عام من احتلال العراق لا يمثل له اي استغراب او دهشة لأن عمليات التفتيش التي سبقت الحرب لم تجد أي نوع من هذه الأسلحة.
وقال في لقاء له ليلة اول أمس في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ان هناك كثيرا من الدروس المستفادة من الوضع الحالي في العراق اولها الا نتسرع في النتائج، وان تكون اي حرب ضد اي دولة عن طريق مجلس الأمن وليس بقرار منفرد .
واعترف البرادعي انه وزملاءه يتعرضون لضغوط كثيرة من الدول سواء الكبرى او الصغرى، وقال: لكننا في الوكالة اعتدنا عليها واصبحت احدى المهام التي نأخذ عليها رواتبنا.. مؤكدا ان الوكالة لا تستجيب لهذه الضغوط.
وشبه دور الوكالة الدولية بأنها (كلب الحراسة النووي) ولكنها ليست (كلبا مسعورا) كما يصفها البعض.. مشيرا إلى أن دور الوكالة يماثل دور البرلمان في الدول من حيث تشريع القوانين وهو ما يطلق عليه الشرعية الدولية، قائلا: كما ان دورنا هو التوضيح والاقتراح ولكن لا نملك اداة للتنفيذ مثلنا في ذلك مثل منظمة الأمم المتحدة.. وأي لوم عن تقصير قد يراه البعض في عمل الوكالة يجب ان يوجه للدول الأعضاء فيها وليس للوكالة، فليس لديّ جيش انفذ به قراراتي، كما أننا لا نستطيع معاقبة دولة ما وانما نستطيع التحقق من العمليات التكنولوجية ودور الوكالة في منع الانتشار النووي محدود وليس لنا صلاحية قانونية في التفتيش ما لم تقبل الدولة وجودنا على أراضيها.. ولكن في النهاية نحن نشكل الأمل في المجتمع الدولي نحو مجتمع آمن خال من أسلحة الدمار الشامل.
وأكد المدير العام للوكالة الدولية ان التيقن من وجود أسلحة نووية في دولة ما لا يكون بالأقمار الصناعية او بمعلومات استخبارية وانما بالتفتيش في الموقع كما حدث في العراق، فلا يمكن التحقق من صحة الادعاءات بوجود سلاح دمار شامل الا بهذه الطريقة.. فمهما كانت قوة الأقمار الصناعية او اجهزة المخابرات فلا تستطيع ان تحل محل دور الخبراء والمفتشين.
وأشار الى ان هناك 30 ألف رأس نووي في دول العالم لم يتم نزعها.. مؤكدا ان اكبر ترسانة نووية تقع في روسيا والولايات المتحدة وهناك اتفاقية بين الدولتين لخفض عدد الرؤوس النووية بمقدار 1200 رأس بحلول عام 2012، حيث تصل ترسانات البلدين الى 15 ألف رأس نووي.. و45 رأساً في كل من الهند وباكستان.. وفي اسرائيل 200 رأس نووي حسب ما يتردد في هذا الموضوع.
وقال ان السلاح النووي لايزال يعتبر نوعا من التميز او ( البرستيج) لأخذ وضع متميز بين دول العالم مثل الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن وكذلك ليبيا وايران والعراق. الا ان المسألة مختلفة في باكستان والهند واسرائيل.. فالهند دخلت اكثر من حرب ضد الصين وكان لابد ان تملك السلاح النووي ورأت باكستان ان عدوها التقليدي يملك سلاحا نوويا فامتلكت سلاحا مماثلا. ودخلت اسرائيل هذا المجال ايضا، وتطوير هذه البرامج ليس وليد عدة اشهر ولكنه نتاج عشرات السنين ولا يمكن حل هذه المشاكل إلا بنزع السلاح النووي من هذه الدول.. لأن السلاح النووي يمثل رعبا حتى للدول المتقدمة فهناك دائما احتمال استعماله عن طريق الخطأ.
وأوضح ان نظام الامن في العالم ناقص ولم تجد الأمم المتحدة فرصة لبسط نظامها على العالم كما ينص على ذلك ميثاقها، فالحرب الباردة حالت دون ذلك، وحاليا ومع ما قيل انه امن جديد ازدادت مناطق التوتر في العالم.. فلابد من تقييد لحق استخدام الفيتو حتى يستطيع ان يعمل مجلس الامن باطمئنان.. لابد من نظام امن جماعي يؤمن للجميع الأمن.. فالامن لا يبنى على ابراز الاختلافات فيما بيننا وانما بما يوفره من نظام يجمعنا حول موضوعات مشتركة.
ونفى البرادعي صحة المعلومات التي ذكرت انه سيستقيل اذا تم ضرب العراق قبل انتهاء عمليات التفتيش.. مؤكدا ان هذا التصريح تم تحريفه خلال حديثه لمجلة (دير شبيجل) الألمانية.. فالاستقالة متروكة للإنسان في اي وقت وإذا رأيت أنني أقوم بعملي في مساعدة الدول النامية في عدم تعرضها لضربة عسكرية او لوم من المجتمع الدولي مثلما حدث في إيران وليبيا فأنا أكون راضيا عن ادائي.
الصراع العربي الاسرائيلي
وحول الصراع العربي الإسرائيلي أكد الدكتور محمد البرادعي ان الدول العربية فوتت كثيرا من الفرص لمطالبة اسرائيل بالتخلي عن سلاحها النووي، فلا يوجد اي نص في اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل يطالب بمقايضة السلام والصلح معها بتخليها عن سلاحها النووي ونفس الأمر حدث مع الأردن قبل سنوات، ولابد ان يكون هناك حوار استراتيجي يتوازى مع عملية السلام لنزع السلاح النووي.. فالسلام ليس فقط في مصطلح الأرض مقابل السلام.. وعدم مناقشة هذا الموضوع مع اسرائيل يمثل خسارة للجانب العربي وللأمن الإقليمي في المنطقة.. مشيرا الى ان هناك أكثر من مائة قرار صدر عن مجلس الأمن بخصوص الصراع العربي الاسرائيلي لكن لم يحدث اي تحرك يذكر، فلابد ان يكون هناك حوار جدي بين إسرائيل والدول العربية لكي يكون هناك نظام آمن للحد من السلاح التقليدي والنووي، لأن الأسلحة المخزنة تحولت الى حديد خردة وهذا يمثل خسارة اقتصادية فادحة.
وقال ان هذا الحوار يجب ان يبدأ اليوم قبل غد.. وهذا يستلزم ان يكون هناك توازن في المصالح وهذا يتطلب أيضا خطوة وتصورا عربيا محددا فلا يكفي ان نقول ان لدينا مبادرة للسلام، بل لابد ان يصل لإسرائيل ان مصلحتها في ان تعيش بسلام والتخلي عن سلاحها.. ولا يكفي ان نعالج هذه الموضوعات بالعاطفة بل بالعقلانية.
وشدد البرادعي على انه ما لم يكن هناك توازن في المصالح بين الجانبين العربي والإسرائيلي فلن يكون هناك حوار جدي بينهما.. وتوازن المصالح ليس معناه ان نتحدث عن امتلاك قنبلة نووية عربية، لكن هناك وسائل اخرى كثيرة نحقق بها هذه المصالح اقتصادية واجتماعية وسياسية.. فلا يعقل ان يكون دخل أسبانيا اكبر من دخل 22 دولة عربية.. ولا يعقل ان يكون اكتساب العلوم التكنولوجية اقل من غيرنا.
وطالب بضرورة التخلص من شعور ان هناك مؤامرة تحاك ضدنا واننا ضحية دائما.. مؤكدا عدم وجود تعريف محدد للسلام، ولكن السلام هو عند النقطة القوية التي تستطيع ان تقف عندها في العالم .. يجب ان نمتلك الثقة وان نتعامل على أساسها مع دول العالم وان نعي جيدا مصالحنا وأهدافنا.. فمشاكلنا لن تحل بالأسلوب العاطفي ولا بالحديث عن أنفسنا وتاريخنا ولكن بالعمل الجاد في مختلف الميادين.
|