جذبني مقالك المميز بتميز عنوانه (في الإصلاح التربوي.. من أين نكمل؟!) بزاويتك المميزة أيضاً (نهارات أخرى) العدد 11491 الاثنين 24 المحرم 1425هـ. وبعد قراءتها قراءة تأمل مستفيضة، اتضح لي أنها تحدثت باختصار عن إصلاح المعلمين، المباني، الأنشطة اللا منهجية، الإدارة التربوية.. وقد بدأت بسؤالك أعلاه.. وختمت بسؤال في اعتقادك أكثر دقة وهو
(من أين نكمل لأننا بدأنا بالفعل؟!).
في هذا المقال المختصر المتواضع، سأختصر الطريق وأقول بثقة: إننا لم نبدأ في الإصلاح العلمي لا في التربية ولا في التعليم بعد.. مع اعتذاري وتقديري لكل الجهود التي بذلت وتبذل من الجهات ذات العلاقة في هذا الصدد وخاصة وزارة التربية والتعليم. أكرر أننا لم نبدأ بعد في إصلاح التربية والتعليم وفق أسس فلسفية علمية وبحثية محكمة.
ولتعزيز جهودك وجهود جميع الجهات ذات العلاقة بالتربية والتعليم بمختلف مستوياته ومجالاته في وطننا الحبيب، سأكتفي بتخليص حيثيات ومبررات ثقتي هذه على هيئة ملاحظات وتعليقات واستفسارات بحثية، أبرزها:
- في جميع دول العالم المتقدم لكل نظام تعليم فلسفة علمية (Educational Philosophy) تصمم في الغالب على هيئة شكل توضيحي، يوضح جميع مصادر، ومتطلبات، ومرتكزات (منهج، مصادر ومراجع تعلم، مدرس، طالب، مخطط، بيئة...) وأهداف التربية والتعليم، والعلاقة بين كل مرتكز ودور كل منها بدقة متناهية مما يسهل تطبيقها وتقييمها وتطويرها، فهل لدينا فلسفة واضحة شاملة ودقيقة؟ طبعاً الإجابة: لا. والموجود مجرد ذكر لبعض المرتكزات والأهداف في نظام التعليم في المملكة، وجميعها تشدد على التعليم التقليدي التلقيني البيروقراطي تعليم المحتوى!!
- لكل مرتكز في فلسفة نظام التعليم، نظرية علمية (Scientific Theory Paradigm Model) تقوده إلى جودة التطبيق والتقييم والتطوير.. بالطبع لا توجد طالما لا توجد فلسفة علمية واضحة وجلية.
- لكل نظرية علمية استراتيجيات وطرق ووسائل تدريس وتدريب، وتعلم وتقييم وتقويم (Teaching training and learning strategies, methodologes and tcchnologics). فهل توجد؟ لعدم وجود سابقتها، بالطبع لا يوجد الملائم الجيد، والموجود طرق ووسائل تقليدية لا تتوافق ومتطلبات العصر.
- هل يتوافر في مدارسنا للتربية والتعليم الحد الأدنى لمتطلبات تطبيق المناهج وتحقيق طموحات وتطلعات الإصلاح فالتقدم العلمي والتقني (وسائل تعلم لا تلقين، معامل لغة وعلوم..، حاسب آلي وتقنيات تعلم حديث..)؟، بالطبع لا؛ ولهذا لا ضمان لنجاح تطبيق نظام التقييم المستمر.
- هل لدى عضو هيئة التدريس، المدرس، المدرب، والطالب، حرية وملكات للإبداع والابتكار؟ بالطبع لا. فالجميع محكومون بنظام ولوائح شبح الامتحانات التي تشدد على بيروقراطية مفردات المنهج والكتاب أو المذكرة، أو المرجع، والمدرس.. والجميع يسابق الزمن لكن ليس للمستقبل، بل إلى تقليد ماض (لحفظ المحتوى والتشكل بقدرات ومهارات موصوفة مسبقاً)؟
- في ظل تحكم اللوائح والتعاميم.. الحالية في المناهج الدراسية، يستحيل مشاركة الطالب بفاعلية وإبداع وابتكار أو حتى إعطاؤه فرصة طرح الأسئلة.. فضلاً عن حثه على المشاركة؛ فالتعلم الذاتي.. وأخذ رأيه.. حتى طالب الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه) ليست لديه الفرصة للتعلم الذاتي، فضلاً عن حرية الإبداع والابتكار التي هي مطلب أساسي للبحث العلمي العالي، فلا درجة علمية عليا دون ابداع وابتكار جديد، لا نقل أو تقليد.
وهناك الكثير من الشواهد التي لا تخفى على الجميع، فكيف نقول إننا بدأنا الإصلاح فعلاً، وليس لدينا أساس علمي للإصلاح؟.. وكيف نقول بدأنا وطالبنا، وحالنا مسير يحفظ، ينقل، يلقن، ويشكل، لا مخير في التعلم والإبداع والابتكار المنطقي.
وختاماً.. إن كانت هناك واقعية وقناعة لإصلاح منطقي للتربية والتعليم بكافة مستوياتها ومجالاتها، فأنصح الجميع بأن يعود إلى ما رسم في كتاب (التعليم في المملكة العربية السعودية) لمعالي الشيخ عبد الوهاب عبد الواسع وكيل وزارة المعارف في عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين رائد التربية والتعليم. هذا الكتاب الإنجليزي الفريد القديم الجديد؛ لما رسمه من أفكار حول أحدث مفهوم للتربية والتعليم (مفهوم التعلم مدى الحياة Lifelong Learning) إلى جانب الجديد في مفاهيم التعلم ورسم فلسفة علمية لنظام تربية وتعليم وطني شامل. والله الموفق.
عيسى بن علي الجوحلي
(ماجستير آداب تعليم - فلسفات وعلوم مناهج وتعليم وتعلم التمريض)
|