عزمت على خوض غمار رحلة يوم الأربعاء 26-1-1425هـ شمال محافظتي الغالية المذنب باتجاه عاصمة القصيم بريدة.. نعم أبحرت بسفينتي صوب بريدة الأخيار واتجهت الى الشمال منها. وفي خضم هذه الرحلة بأمواجها الهادئة سمعت صدى لصرخات أنين نساء.. أحال بحري الهادىء الى بحر هائج تتقاذفه الأمواج.. حتى اني اهتديت لموطن ذلك الصوت ولترسو عند مشفى الولادة والأطفال ببريدة.. وطالما أن قبطان سفينتي في ذلك اليوم هو القلم فإن عضده الألم..!! تقولون: لماذا؟؟ اقول لكم: أواه من هذه الصرخات.. التي لم تلامس نخوة المسؤولين في الوزارة!! انها صرخات.. بل صدى لصرخات قذفت بسفينتي لتتماوج يمنة ويسرة.. حال مسيرها الى أن تتوقف.. ولأدلف المشفى.. وأعيش أجواءه.. والحقيقة أني لم أكن لأعلم أن ثمة صرخات نسائية حبيسة.. أخفي صداها عن المسؤولين في الوزارة.. لا لشيء.. الا لأن أصواتهن المخنوقة اضنت أجسادهن المنهكة في ظروف الولادة.. ودموع بعضهن حرّى تكاد تفتك بأعينهن!! لقد أضنى فؤادي الترحال والتجوال في ردهات المشفى.. وفي ظل هذه الأجواء.. والحقيقة أني لا أخفيكم أنني قوبلت كغيري من الزوار بترحاب وبرحابة صدر وخدمة تهش للمريض من الإخوة في الاستقبال لا تكاد توصف!!.. ردود فعل ايجابية من قبل وزيرنا المحبوب حمد المانع.. الأمر الذي شجعني على أن انسج من حروفي واقع هذا المشفى الشامخ في سماء القصيم.. الا من بعض الملاحظات اليسيرة التي دوت منها صرخات نسائية.. وشاء الله ان يكون قلمي رجعا لصداها.. عبر هذه الصفحات.. هي صرخات ليس مصدرها ألم الولادة.. ولكنه الألم الذي طبع في قلوب النساء ممن يشخص هذه الولادة من الأطباء الذكور.. حقيقة يا معالي الوزير لكم فوجئنا لأن يكون هناك مشفى رائع ومتكامل بحجم مستشفى الولادة والأطفال ببريدة وبسعة 300 سرير ثم لا يوجد فيه استشارية نساء واحدة.. ايعقل ان يغلب الذكور من الأطباء على النساء في مشفى ولادة!! والاحصائية التي وردتني بصدق وأمانة حول كادر الأطباء والطبيبات هي: 5 من الاطباء الاستشاريين الذكور واخصائيتان بحوزة كل منهما شهادة.. و5 اخصائيات بلا شهادة....!!
اذاً غالبية الاستشاريين ذكور.. وهذا يجعلنا نتساءل وبحرقة أعجز التخصص عن إيجاد هذه الكوادر النسائية في مثل هذه المستشفيات أم هو تساهل من المسؤولين!!؟
معالي الوزير: ان المرأة بطبعها خجولة.. بل هي كتلة من الحياء..!! نعم الحياء الذي ان ذهب حلّ عنه البلاء.. انها وان سلمت نفسها لامرأة للكشف عليها تخجل وتترد بذلك..
فكيف بها ترضى بأن تسلم نفسها مكرهة الى طبيب يدخل الى عالمها الأنثوي الخاص!! انه لأمر في غاية الحرج لبنات حواء!! والرجال قلما يحمرّون من جرأتهم بقدر ما يحمرّون من ضعفهم وغرورهم!!
ولا أريد أن أتحدث عن موقف الشرع في ذلك.. فهناك ضرورات قد تبيح المحظورات في ذلك.. ولكن لنا أن نقول إن الطبيبات بعدد حبات (الرز) ولن تعجز وزارة كوزارتنا الحيّة حفظها الله عن تأمين كادر نسائي يشرف على محارمنا.. وإن لم يحدث فما ظنكم.. أنترك محارمنا للرجال!!؟؟..
ومن المعلوم يا معالي الوزير أنه اذا اسندت المناصب بغير محلها، ووضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب، فقل لي بربك كيف نتقدم وهذه حالنا؟؟
ومن وحي هذه الزيارة بدت لي بعض الملاحظات التي من شأنها أن تعزز نجاحات هذا المشفى إن هي نوقشت وعولجت في اسرع وقت ممكن.. لعل منها:
1- أثناء الزيارة شاهدت ذلك العجز الواضح في عدد التمريض بالأقسام.. ولنا أن نعذرهم في ذلك اذا ما علمنا أن المشفى حديث الانشاء 1423هـ.
2- تلحظ الاتكالية من بعض الأطباء الأمر الذي يؤثر سلبا على أداء العمل داخل المستشفى.. ومن نافلة القول إن النفس اذا رقدت في فراش الكسل استغرقها نوم الغفلة!!
3- لعل المتأمل في وقت الزيارة يلحظ الغرابة في اتخاذ قرار يقضي بإعلان الزيارة من الساعة الثانية ظهراً - وحتى الساعة التاسعة مساء.. وأعتقد أن هذا فيه من الوقت الطويل المبالغ فيه ما يجعل المريض يتأفف من كثرة الزوار.. ويجعل طاقم التمريض.. يعيش في ضياع مواعيد تقديم خدماتهم التمريضية للمرضى.. فكلنا يعلم أن الرسول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه حثنا على تخفيف وقت الزيارة على المريض.. ليأخذ قسطا من الراحة.. والواجب الامتثال لذلك.. بتقليص فترات الزيارة الى فترتين على أقل تقدير.. لتمنح الفرصة للمرضى بالراحة.. ولطاقم التمريض بمزاولة واجباتهم على أكمل وجه وبلا مضايقات.. فكلنا يعلم أن بعض الأدوية كالمضادات مثلاً تعطى كل ست ساعات على سبيل المثال.. فتجد الممرضات مثلا يذهبن لإعطاء المريض جرعته من الدواء فاذا الزوار.. كالمراقبين مع المريض!! أمور كثيرة بحاجة الى اعادة النظر والبت فيها..
وللأطباء: جدير بهم أن يعلموا أنما هناك أمور تجعلهم في مصاف الأطباء الحكماء الناجحين الأفذاذ: ومنها أن يكون كل طبيب منهم كتوما لأسرار المرضى.. لا يبوح بشيء من أمراضهم.. وان يكون سليم القلب عفيف النظر صادق اللهجة لا يخطر بباله شيء من أمور النساء والاحوال التي شاهدها فضلا عن أن يتعرض لشيء منها، وان يكون مأمونا ثقة على أرواح مرضانا فلا يصف دواء قاتلا وأن يعالج عدوه بصدق نية كما لو كان حبيبا له.. (ومن حسن حظهم أن الشمس تضيء انتصاراتهم.. والتراب يخفي أخطاءهم!!)
وقفة
اذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا .. وتستحيِ مخلوقا فما شئت فاصنع
لمن لا يجد غضاضة في تطبيب النساء من الأطباء الذكور مع وجود طبيبة من جنسهن أقول:
ليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من غيرك!! واعلم أن من قل حياؤه قل ورعه.. وتذكّر دائما اذا حدت بك الظروف لمثل ذلك.. مع وجود من تقوم بالمهمة عنك تذكر: ( ان الخجل في الوجه أهون من لطخة في القلب تدوم طويلا..)
ص.ب 25 الرمز 51931
|