Thursday 15th April,200411522العددالخميس 25 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ركن الإرشاد ركن الإرشاد
يجيب عنها اليوم
فضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع
عضو هيئة كبار العلماء،

الخلوة مع السائق
هل ركوب المرأة مع السائق خلوة؟
هيفاء محمد - جدة
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
سبق أن قدمت إلي إحدى الأخوات استفتاء ملخصه السؤال:
هل يجوز للمرأة أن تركب مع السائق الخاص لبيتها في سيارتها وذلك لقضاء حاجتها في السوق أو الجامعة أو المدرسة أو المستشفى أو غير ذلك من أماكن احتياجها المشروعة وذلك داخل مدينتها وهل يعتبر ذلك خلوة بالسائق في السيارة وقت ذهابها إلى قضاء حاجتها.
وقد أجبت بأنه لا يظهر لي مانع في ذلك بشرط أن تعرف من سائقها أمانته واستقامته وأن تكون في المرتبة الأخيرة في السيارة وألا تتحدث معه وقلت في الفتوى بأن هذا لا يعتبر خلوة. حيث إن تعريف الخلوة كما ذكرها أكثر من واحد من أهل العلم بأنها انفراد المرأة مع أجنبي منها في مكان أبوابه مغلقة وستائره مرخاة. والسيارة أبوابها مكشوفة حيث إن نوافذها زجاج شفاف يُبْصر مَن داخل السيارة خلالها وفي نفس الأمر ليست السيارة في مكان خفي بل هي في الشارع تجري فيه مع غيرها من السيارات فالقول بأن ركوبها مع السائق وبالقيود التي ذُكِرت في الفتوى القول بأن هذا خلوة غير صحيح. ولا يخفى أن للخلوة أحكاما تترتب عليها ومن ذلك لو حصلت خلوة من زوج بزوجته غير المدخول بها وترتب عليها حمل فإن هذا الحمل منسوب إليه بحكم الخلوة وكذلك يستقر مهرها كاملا في ذمة زوجها وغير ذلك من الأحكام.
وقد اتصل بي بعض الأخوة الفضلاء واعترضوا على الفتوى وقالوا ان ركوب المرأة في سيارتها مع السائق المخصص بها أو بأهل بيتها ركوبها معه خلوة. ولعلك يا عبدالله ترجع عن فتواك فأحببت أن يكون ردي عليهم بما يلي:
أولا: لا يخفى أن الخلوة الشرعية المحرمة بين المرأة والأجنبي منها ما كانت في مكان أبوابه مغلقة وستائره مرخاة والمرأة في سيارتها مع سائقها في الشارع العام وفي وضح النهار لا تعتبر مختلية بالسائق فالسيارة مكشوفة والناس في الشارع موجودون بين رائح وغاد.
ثانياً: الظن بأخواتنا الأصل فيه أن يكون ظنا حسنا وإذا وجدت امرأة ذات اتجاه منحرف فليس منعها من ركوبها سيارتها مع السائق المختص بها أو بأهلها ليس ذلك مانعا لها من الوقوع في الإثم.
ثالثا: القول ان سد الذرائع مقصد من مقاصد الشارع الحكيم فيجب الأخذ به. هذا صحيح ولكن بقيود وضوابط فإذا كانت الذريعة الى الوصول إلى المحذور ذريعة غالبة حيث إن الظن في ذلك قوي فيجب الأخذ بسد هذه الذريعة. وإذا كانت الذريعة إلى الوصول إلى المحذور ذريعة محتملة احتمالا ضعيفا فلا يجوز التضييق على عباد الله بذريعة ضعيفة فديننا دين يسر ورسولنا صلى الله عليه وسلم ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً. والأصل حمل عباد الله من ذكور وإناث على الثقة والظن الحسن ما لم يعارض هذا الأصل بمثله.
وإما أن تكون الذريعة إلى الوصول إلى المحذور محتملة وبحيث يتساوى الأمران فهذا محل نظر واجتهاد ويختلف النظر في تحديده باختلاف الوقائع المطبقة عليها من حيث الأشخاص والزمان والمكان واليبئة والكفاءة في النظر. ولكن لا يجوز لمن يفقد الكفاءة العلمية ودقة النظر ومعرفة الأحوال أن يدخل في تحديده فله أهل مختصون بنظره وتقديره.
وعليه فإن الأخذ بسد الذرائع مطلقا غير صحيح وأن الأخذ بها يجب أن يكون وفق التفصيل المتقدم.
رابعاً: العمل الجاري لدى مجموعة كبيرة من اخواتنا في بلادنا بمختلف مناطق البلاد أن الواحدة يكون لها سيارة وعندها سائق خاص في البيت فتنطلق بسيارتها لقضاء حاجتها سواء أكان ذلك في الجامعة أم المدرسة أم المستشفى أم في السوق ولو تكرم أحد المعترضين علينا وعليها وقام بزيارة مقر هيئة الأمر بالمعروف أو أقسام الشرطة للنظر في حوادث تحرش السائقين الخاصين بنساء بيوت مستخدميهم حينما تركب الواحدة منهم معه في سيارة بيتها لقضاء حاجتها فلن يجد والحمد لله قضايا بذلك ولا نستطيع أن ننفي الحوادث ولكننا لن نجد - إن وجدنا - إلا نزرا يسيرا من الحوادث لا تصل نسبته إلى الواحد من الألف فهل يجوز لنا أن نضيق على أخواتنا خشية من أن يترتب عليها حادث اعتداء بمثل هذه النسبة؟
خامساً: يجب أن يكون لنا في دعوتنا وفتاوانا مسلك معتدل وفق قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}.
فنحن الآن في عراك مع دعاة حرية المرأة وإطلاق العنان لها مطلقاً. كما أننا في وضع مشابه مع دعاة تكبيل المرأة وحبسها في بيتها فيقال لها: حرام عليك أن تسوقي سيارتك وحرام عليك أن تركبي مع سائق سيارتكم وحرام عليك أن يكون نوع حجابك كذا وكذا وإلى آخر القيود السواسية فيجب علينا أن نأخذ بوسط العصا فلا نأخذ بطرفها المتطرف المتمثل في التفريط في أهم ثابت من ثوابت الحفاظ على كرامات أخواتنا وعفافهن ولا نأخذ بطرفها الآخر المتمثل في الغلو والإفراط المنتهي بالتضييق على أخواتنا وانتزاع الثقة منهن وفي قدرتهن على حماية أنفسهن كرامة وعفة وحشمة .. فديننا دين قوي لا يشاده أحد إلا غلبه ولكن علينا بالتبشير والتيسير والابتعاد عن التنفير والتعسير كما أمرنا بذلك حبيبنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
سادسا: الاضطرار استثناء من أحكام الحظر وهي قاعدة شرعية وقد ذكر علماء الأصول أن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الفردية ولهذا جاءت إباحة المزابنة والمحاقلة من مسائل الربا. والجهالة اليسيرة في العقود وكذا الضرر اليسير وهي أمور يحتاجها المجتمع وليست في مرتبة الاضطرار ومع ذلك جاء الاستثناء بجوازها من عموم الحظر. وتأسيسا على هذه القاعدة الأصولية وعلى افتراض أن ركوب المرأة مع السائق في سيارتها غير جائز فإنها وأخواتها محتاجات إلى ذلك حاجة ملحة وهي حاجة اجتماعية عامة تنزل منزلة الضرورة الفردية ولا سيما والآثار السلبية لذلك تكاد تكون في حكم العدم. هذه إجابتي لاخواني الأعزاء ممن لاحظوا علي هذه الفتوى واعترف بقصوري واحتمال خطئي واستغفر الله العظيم من الخطأ إن كان ، فما أريد إلا التيسير على أخواتنا وهي إرادة والحمد لله لا يظهر لي فيها مخالفة ولا إثم والله من وراء القصد.

ترسل جميع التساؤلات والاستفسارات المتعلقة بالزاوية على العنوان التالي:
جريدة الجزيرة زاوية ركن الإرشاد ص.ب (354) الرياض (11411)، أو الهاتف المصور: 4871064 4871063
أو المراسلة على البريد الإلكتروني:


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved