الإنسان السوي والسليم بفطرته مجبول على الكد من اجل لقمة عيش كريمة ونظيفة بالحل والكسب، وعمل الكسب مشروع ومرتبط بضوابط مهنية - أخلاقية.
ولعل التجارة -المتاجرة هي اكثر الميادين التي تستهوي -وتستقطب المغامرة - المخاطرة، ويمكن القول إن ما كان قائما على دراسات علمية منهجية اكثر عرضة للتعثر أو الخسارة -الإفلاس.
من واقع المعايشة ومجالات التدريب وجدت أن أعدادا ليست قليلة قد دخلت ميدان الأعمال التجارية والمقاولات، دون سابق خبرة مهنية أو معرفية.
مما أوقع الخسارة بل ربما الإفلاس، ولعل المثال الحي كبائن المكالمات الهاتفية وقبلها مشاغل الخياطة النسائية والرجالية.
ومن المؤلم أن من استفاد في هذه الحال ملاك العقارات والعمالة المستقدمة. وليس من الحكمة إغفال دور الجهات الحكومية التي رخصت للأنشطة ومسئوليتها عن عدم الإفصاح على الأقل بالاحتياج المطلوب وكفايته وتوزيعات تواجده.
ولعل ما صاحب محاولات الكثير من المواطنين في هذا المجال من خسارة بل وإفلاس مرجعه في الأساس ارتياد النشاط دون سابق خبرة.
ولا ابعد عن الحقيقة بالقول إن الارتجال والتقليد اكبر معضلة قادت لمآس وانتكاسات ربما قادت إلى السجن زيادة على حسرة الخسارة والإفلاس المادي والمعنوي فبمجرد أن يباشر سعد نشاط بيع المواد الصحية يأتي سعيد ليباشر نفس النشاط وفي نفس الشارع وربما بالجوار. هذا جانب من وجه المشكلة - الظاهرة، والجانب الآخر الأكثر ظلامية والأخطر والأشد مأساوية هو عدم التفريق بين الشخصية المدنية والاعتبارية لممارس النشاط التجاري.
بل ربما أن الطامة ممارسة صاحب النشاط - المالك أعمال الإدارة بنفسه تخرصا وتخبطا دون علم أو دراية تخصصية مهنية.
هذا الشأن عائد مع كل ما سبق في السياق الفارط لاستمرار السير في أعمال النشاط بعقلية مكر مفر دون محاولة إنقاذ.
حين يلجأ المدير المالك إلى الاعتماد في إدارة النشاط إلى ابنه أو المحاسب.
ولا ريب لو أن بدء النشاط قد قام على دراسة جدوى وتخطيط لكان قد وجد سياسات وتنظيم للأعمال بشكل علمي بعيدا عن العشوائية والعاطفة وقد تبين لي من واقع معايشتي وعلمي بمآسي معارف وأصدقاء، ومن امتهاني للتدريب أن السياسات الإدارية تكاد تكون على نمطية واحدة في الشركات المساهمة - العائلية الكبيرة -والمصارف بل والإعلامية.
حيث تغلب سمة الوالدية وعلى وجه الخصوص لدى قطاع كبير من أناس دخلوا مجال العمل الخاص دون سابق خبرة أو تخصص مهني سواء في المقاولات أو التجارة حيث كان انعدام هذين العنصرين من أهم المؤثرات التي قادت إلى تعثر أو ربما فشل مؤسسات أهلية ذات طابع ملكية فردية أو جماعية. ويمكن إرجاع هذا إلى عدة عوامل - مسببات:(النمط الإداري عادة يأتي على شكل نمط المدير المالك غير المتخصص الذي يتدخل في إدارة كل شيء دون ما معرفة معرفية أو مهارة مهنية). ومن ثم تركيز السلطات -الصلاحيات في يده. وفي هذه الحالة لا يتم التفريق بين صاحب - مالك المنشأة كشخصية مدنية وشخصيته الاعتبارية كصاحب منشأة تجارية، ومن هنا يأتي التخبط في التخطيط الإداري والمالي والتسويقي -الإنتاجي والفكري عند التفكير في إضافة نشاط جديد، ولعل الشركات المساهمة قد سرت إليها هذه العدوى وبالذات التي تهاوت قيمة اسهمها من100 ريال إلى 10 ريالات).
الحداثة بالإدارة هنا يمارس مالك المؤسسة أسلوب الإدارة بالتجربة والخطأ، وقد يغري تحقيق نجاحات آنية بسبب الوفرة في الطلب وقلة العرض إلى الاستمرار في التجريب، والتي بطبيعة الحال لم يكن مقدرا لها الحفاظ على مستوى متنام ومدور كما يقضي على الأقل العرف التجاري.
سواء مارس المالك العمل بنفسه أو فوض ذلك إلى ابنه أو للمحاسب والمدير الإداري - إن وجد، وأسلوب التجربة والخطأ له جملة من المحاذير:
- انعدام التخطيط.. أي عدم وضع تصور لما يمكن عمله للمستقبل من خطط -برامج - أولويات -وبدائل حسيب المتاح من الإمكانيات.
- عدم الالتزام بنشاط واحد بسبب النظرة المستعجلة للأمور فمرة يكون النشاط في الزراعة وأخرى في المقاولات.
- انعدام وجود تنظيم للإدارة أو للعمل، وذلك من الإقدام على تعيين الابن المتخصص في تخصص بعيد عن الإدارة لإدارة المقاولات والمحاسب لإدارة المشتريات الداخلية والخارجية
- عدم تفرغ المدير -المالك للإشراف على أعمال مؤسسته أو تعيين مدير متخصص
- التوسع غير المخطط وغير الرشيد، له دور مباشر في اضطراب أعمال المؤسسة واستثمار أموال بدون دراسة للجدوى والمردود.
- الدخول غير المدروس ولا المتخصص في مشروعات وأنشطة مختلفة يؤدي إلى تناقص الإيرادات وبالتالي الأرباح، هذا بخلاف أن النفقات والمصروفات قد ترفع كذلك.
- دون كثير شك فإن ما سبق سوف يؤدي إلى تذبذب الأعمال -العمال إما من خلال بطالة متأرجحة بشكل دائم أو مؤقت.
- يؤدي إعطاء التسهيلات لتراكم الديون والعجز عن تحصيلها وهذا مما يقود إلى العجز المالي وبالتالي قلة السيولة النقدية، وقد تتحول كل الديون أو جزء كبير منها لديون معدومة
-عدم وجود خطة لتسويق المنتجات المشاط، سبب عدم الوعي بأهمية الدعاية -الإعلان للخدمات الذي يقلل من استقطاب عملاء -زبائن جدد، لأن الحرص على بقاء الاسم التجاري -السمعة في السوق أمر هام للغاية. لا يستمر بدون دعاية.
- إن الدراسة الجدية لسوق النشاط من المسلمات الأساسية حتى يمكن تحديد مقدار التمويل ومصادره على أسس علمية-اقتصادية هذا من ناحية الممارسة العملية، يضاف إلى القضية ما له علاقة بالناحية القانونية -النظامية حيث يلجأ البعض إلى ممارسة النشاط بدون ترخيص وهنا فلا يعرف ما هي السمة القانونية للمنشأة التي يمكن التخاطب معها في المراسلات والتعاقدات. ولا يتوقف الحال عند هذا بل يحرم المنشأة من الاطلاع على المواصفات الخاصة بأعمال النشاط المزاول، ومصادر التمويل وما له صلة بالموردين للمواد والمعدات والعمالة الماهرة. لكي يتم التغلب على ما سبق من معوقات للعمل في التجارة - الاستثمار لا مناص من أربعة أمور. من الضرورة أن يكون كل نشاط مستقل عن الآخر في كيان قانوني اعتباري إدارة منفصلة حتى يستمر البقاء في السوق والمنافسة الشريفة التي تحقق الربحية العالية والخبرة المتراكمة والثقة المتبادلة مع العملاء والموردين. بناء سمعة حسنة للمنشأة وتنامي الوجود في السوق.
|