ألا إنّ جفْن الموت ليس بنائم
ولا السّعْد يوما في البرايا بدائم
ولستُ على البلْوى بمقصٍ ركائبي
عن الله، بل أسْعى بها في العوالم
لأنّني - والإيمان ملْء جوانحي -
صبور على أقسى الخطوات القوادم
ولكن صبري في (الفقيدين) مثْقل
بأنات قلبٍ غارقٍ في المآتم
دفنت بصدري (والدي) ولم أزل
رهينا لحب مفعم متقادم
ويممتُ وجهي للعُلا في تجلدٍ
لما حلَّ من أدْهى الخوب القواصم
أرى في المعالي (والديَّ) كأنما
يطلان من برْجٍ على الأفق واجم
ولكنني أصبحتُ كالصّقْر جانح
على سفح تلك الشّامخات البواسم
زمان قضى الرحمنُ فيه وليس لي
بما قدّر الرحمنُ قلْبُ بنادم
وودعت فيه (والديَّ) فلم أكن
هنياً بعيش بعد ذلك ناعم
ومامات من لو عمّر الدهر لم يزل
وفيّاً حفيّاً بالندى كالغمائم
سقى الله قبراً ضم في جنباته
لأم (الندى) في الممحلات العظائم
ومن رحمات الله تهمي سحائباً
فتمرعُ بالرضوان فوق المعالم
لكِ اللهُ (يا أمَّاه) كم كنتِ موئلاً
يطوف اليتامى حوله كالبراعم
وكنتِ لهم عند المآسي طبيبة
تداوي جراحات الأسى كالمراهم
رحلت عن الدّنيا ودرْبُك ممْرعٌ
بما ازْدان من طيب الغنى والغنائم
تذكرتُ (أمي) في الرزايا تحوطنا
بقلب رضيّ في المكاره باسم
خفضت لها قَدَّي جناحيَّ ذلةً
أذلُّ لها برّا على رغم راغم
وأسْقيتُ دمعي قبْرها متذكّراً
مدى عُمُري في ظل تلك المكارم
تذكرتها والبشْرُ في نظراتها
وألطافها في مشربي ومطاعمي
تمدُّ يديْها الفارعات كأنّما
تمدُّ لنا ظلَّ العُلا والعزائم
عليها سلام الله ماذرّ شارق
وماهَدَلَ القمريُّ بين الحمائم