في مطلع التسعينيات (الميلادية طبعا!) دخلت معرض كتاب.. وكنت في حالة من السعادة الغامرة.. أتجول بين الكتب وأدفع بسخاء على الروايات والقصص. وكانت لحظة مشوبة بكثير من الاعتزاز والحبور أن تجد كتابا لك يصطف مع الكتب الأخرى وتعدل من وضعه وربما تبتاع نسخا منه لتوهم البائعين بأن هذا الكتاب مطلوب..(..!).
وفي وسط أجواء جميلة وعامرة بالقراءة والاطلاع.. صدح صوت متحدث عبر شريط كاسيت..
وتحدث عن الكتب والتأليف والكتابات.. فتحدث عن زميلة حرف وظل يفند عباراتها ويلقي عليها بالتهم.. ويعلو صوته.. ثم يعلو.. تسارعت نبضات قلبي.. وأحسست أن شيئا جميلا سرق مني.. وتخيلت أن يطالني مثل هذا الحديث..
وأشفقت على زميلتي أن يصرح باسمها وترمى عليها التهم نتيجة تفسير لعبارة كتبتها.. تحتمل عدة أوجه منها هذا التأويل الخاطئ الذي أورد وإن كانت أخطأت فتعديل الخطأ لا يكون بما هو أكثر جسامة..
التشهير والتعريض ليس من شيم المسلمين وليس من شيم وأخلاق المؤمنين..
كان الرسول صلوات الله عليه وسلامه يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا.. والإصلاح لا يتعرض لاسم بذاته ويخص في حديث على الملأ.. أو عبر نشرات أو عبر أشرطة كاسيت..
حين عدت إلى المنزل هاتفت رئيس تحرير الجريدة التي تكتب فيها الزميلة وأبلغته عما سمعت ليتخذ ما يرى..
مهما كانت الأخطاء.. فإن النقاش والاختلاف لا يصلان لحد التشهير والتعريض ولا يحق لأحد أن ينصب من نفسه قاضيا يقضي ويحكم وينفذ.. هذا ليس من العدل في شيء.
نحن لا نطلب حصانة لأحد.. فكلنا بشر.. وكلنا معرض للخطأ.. وكلنا تحتمل كتاباتنا وكلماتنا تفاسير متعددة إن جئتها خالي الذهن، فبإمكانك تصريفها التصريف الحسن، وإن جئتها محملا بالظن والشكوك وجدت فيها ما يناسبك لأنك لن تعدم التفسير الخاطئ لأي كلمة أو مفردة.. وفيما يكتب خروج وانحراف في بعضه، لكن الرد عليه يكون فكريا وفي أوعية النشر ووفق قوانين الاحترام وعدم التعريض بالشخص.
المطلوب تحديدا هو أن نكف عن النيل من الناس وأعراضهم والتشهير بهم واختلاق المثالب فيهم، وإيذائهم نفسيا واجتماعيا، فليس من الدين في شيء أن يستباح عرض الإنسان وكرامته وأصوله وجذوره فقط لأنه كتب ما قد لا يتوافق مع الرأي الذي يؤمن فيه فرد أو جماعة ما..
دعونا بمثل ما نطلب فيه من العالم أن ينظر إلى مميزاتنا ألا يتلقط عيوبنا ويضخمها في إذاعاته ومحطاته الفضائية وصحافته.. وأن يتعامل معنا كمجتمع بشري له أن يخطئ وله أن يصيب.. ومثلما نطلب من كل فرد سوي ألا يستثمر الفرص التي يطرحها له تلفزيون الغرب وأن يتخذوه كمطية لسب أهله ومجتمعه وتعميم المثالب عليه فيكون بذلك شريكا معهم على مجتمعه..
ومثلما أننا نريده ألا يداهن وألا يحول السلبيات إلى إيجابيات فقط نريده أن يكون عادلا غير متجنٍّ على مجتمعه مثلما نطلب ذلك.. فإنه لابد في المقابل أن نكون مجتمعا رفيقا بأبنائه وبناته حتى وإن أخطأوا أو ظن هو أنهم أخطأوا..
دعونا نختلف.. ونتناقش.. ونتباحث في الأفكار.. دون أن ننال من الأعراض وحق الإنسان في حماية نفسه من الإيذاء والتهم التي ترمى جزافا.. لا نريد لأحد حصانة.. كما أننا لا نرضى بالاستباحة!!
84338 الرياض 11671 |