* القاهرة -مكتب الجزيرة - علي البلهاسي:
شهدت المنطقة العربية خلال عام 2003 وبداية العام الحالي العديد من الاحداث والتطورات التي كان لها ابلغ الاثر على اقتصادياتها وعلى رأس هذه الاحداث كان الغزو الامريكي - البريطاني للعراق واحتلاله ثم انفجار المقاومة العراقية بأسرع مما توقع المراقبون وكما كانت هذه الاحداث مؤثرة على النظم السياسية فإنها اثرت وبقوة في الاقتصاديات العربية من خلال تأثيرها في حركة اسعار النفط وفي حركة السياحة والاستثمارات الداخلة للبلدان العربية وفي خروج الاموال والاسثتمارات من هذه البلدان فضلا عن تأثيرها على حركة التجارة الخارجية بعد تحميلها بالمزيد من الاعباء التأمينية بسبب المخاطر التي تسبب فيها الغزو ثم الاحتلال الامريكي - البريطاني للعراق.
التقرير السنوي للاتجاهات الاقتصادية والاستراتيجية 2003 - 2004 الصادر عن مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة تناول بالعرض والتحليل المؤشرات الرئيسية المعبرة عن اداء الاقتصاديات العربية في عام 2003 واحتمالات المستقبل بالنسبة لهذه الاقتصاديات بناء على هذا الاداء والعوامل التي تقف وراءه وعرض التقرير في الجزء الذي قدمته الدكتورة اماني الطويل خبيرة العلاقات المصرية السودانية للامال والتحديات التي تواجه التكامل الاقتصادي بين مصر والسودان كنموذج للتكامل الاقتصادي بين الدول العربية وفيما يلي عرض لاهم ما تضمنه التقرير حول هذا الموضوع.
تداعيات الغزو والاحتلال
في عام 2003 تم بناء التوقعات حول النمو الاقتصادي للدول العربية على التوقعات التي روجتها آلة الاعلام العربي بأن القوات الغازية ستتمكن من احتلال العراق وبالتالي السيطرة على ثروته النفطية ومن ثم توظيفها من اجل تخفيض اسعار النفط إلى المستوى الذي تراه ملائما للاقتصاد الامريكي ولان الاقتصاديات العربية تتأثر بشكل اساسي باسعار النفط كانت تقديرات صندوق النقد الدولي تشير في التقرير الصادر في بداية ابريل 2003 إلى ان معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الاجمالي سوف يبلغ 4%، 3.5%، 2.3%، 2% السعودية والجزائر وليبيا والكويت بالترتيب. لكن بعد ان جرت الامور في العراق على نحو مخالف للسيناريو الذي تم ترويجه في امريكا بسبب انفجار المقاومة العراقية وفشل قوات الاحتلال في السيطرة الكاملة على قطاع النفط تغير اتجاه اسعار النفط التي ارتفعت إلى اعلى مستوى لها منذ عام 1984 حيث بلغ متوسط سعر برميل النفط من سلة خامات اوبك نحو 28 دولاراً في الاشهر التسعة الاولى من عام 2003 وهو سعر يزيد بنحو 15.2% عن متوسط سعر البرميل عام 2002 وتبعا لهذا ارتفع معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الاجمالي في الدول الاربع السعودية والجزائر وليبيا والكويت ليصل إلى 4.7%، 5.6%، 4.7% بالترتيب وذلك وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في سبتمبر.
وقد ادى الارتفاع الكبير لسعر برميل النفط إلى التأثير بصورة ايجابية في معدلات النمو الحقيقية للناتج المحلي الاجمالي للدول العربية المنتجة والمصدرة للنفط واثر ايضا بشكل ايجابي في اقتصاديات العديد من الدول العربية التي تصدر خدمات العمالة للبلدان النفطية او تلك التي يشكل السياح القادمون من البلدان العربية النفطية نسبة مهمة من السياح الذين يزورونها ولان الناتج المحلي الاجمالي للدول العربية المنتجة والمصدرة للنفط وهي دول مجلس التعاون الخليجي الست والجزائر وليبيا والعراق يشكل قرابة 70% من مجموع الناتج المحلي الاجمالي للبلدان العربية فقد ادى التحسن القوى لاسعار النفط في عام 2003 إلى ارتفاع المعدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الاجمالي للبلدان العربية مجتمعة.
مؤشرات أخرى
وفيما يتعلق بمعدلات البطالة في الدول العربية خلال عام 2003 اشار التقرير إلى ان معدلات البطالة في البلدان العربية مرتفعة بصورة تشكل اهدارا لعنصر العمل العربي الذي يشكل العنصر الاكثر فعالية من بين عناصر الانتاج وتصل معدلات البطالة في العديد من البلدان العربية إلى مستويات تهدد الاستمرار السياسي والاجتماعي في تلك البلدان ويصل معدل البطالة إلى مستويات قياسية في فلسطين والعراق بسبب الاحتلال الاسرائيلي والامريكي وقد بلغ معدل البطالة في العراق يتراوح بين 50%، 60% من قوة العمل العراقية. وبالرغم من ارتفاع معدلات التضخم في غالبية البلدان العربية في عام 2003 بالمقارنة مع مستواها عام 2002 فإنها تبقى منخفضة بصفة عامة ولا تقارن بالمعدلات المرتفعة التي سادت العديد من البدان العربية خلال الثمانيات والنصف الاول من التسعينات في القرن العشرين كما ان الارتفاع المحدود لمعدلات التضخم في البلدان العربية في عام 2003 هو امر متسق مع ارتفاع معدلات التضخم في الدول النامية والدول الصناعية المتقدمة خلال عام 2003 وفيما يتعلق بالديون الخارجية العربية أشار التقرير إلى أنها تعد منخفضة في الوقت الراهن بالمقارنة بمستواها المرتفع في نهاية الثمانيات وبداية التسعينات من القرن الماضي وقد اسهمت ثلاثة عوامل في تخفيض تلك الديون اولها ازمة وحرب الخليج الثانية عام 1991 حيث حصلت الدول العربية إلى انضمت للتحالف الدولي ضد العراق على تخفيضات كبيرة لديونها الخارجية من الدول الدائنة والثاني هو تنفيذ العديد من الدول العربية المدينة لبرامج الاصلاح الاقتصادي تحت اشراف صندوق النقد الدولي والثالث هو ارتفاع اسعار النفط منذ عام 1999 وحتى الآن. وتتصدر مصر والجزائر الدول العربية المدينة من حيث القيمة المطلقة للدين الخارجي وتبلغ نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الاجمالي ذورتها في كل من مرويتانيا والسودان وسوريا والاردن ولبنان وجبيوتي حيث بلغت في هذه الدول بالترتيب نحو 143%، 130%، 111%، 78%، 76%، 74.1% في عام 2001
اما بالنسبة للاستثمارات العربية في الخارج والاستقطاب العربي للاستثمارات الاجنبية اشار التقرير إلى ان المنطقة العربية تضم عدداً من الدول المصدرة المهمة لرأس المال وبالتحديد بلدان الخليج المصدرة للنفط ومعها ليبيا كما تضم ايضا في الوقت نفسه عدداً من الدول التي تسعى دائما لجذب الاستثمارات الاجنبية مثل مصر والمغرب وتونس وغيرها من الدول. بالرغم من سعي العديد من الدول العربية لجذب الاستثمارات الاجنبية فإن هذه الدول في مجموعها تحتل مرتبة هامشية على خريطة الاستثمارات الاجنبية التي تتدفق بين مختلف بلدان العالم ووفقاً لبيانات مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية الانكتاد فإن قيمة الاستثمارات الاجنبية المباشرة التي تلقتها الدول العربية مجتمعة عام 2002 بلغت 4532 مليون دولار بما يشكل نحو 0.7% من اجمالي قيمة الاستثمارات الاجنبية التي تدفقت بين بلدان العالم في ذلك العام. واكد التقرير ان هذه المؤشرات تعكس الانغلاق الجزئي لبعض الاسواق العربية امام الاستثمارات الاجنبية ووجود بعض المشاكل في مناخ الاستثمار في الكثير من البلدان العربية وطالب بضرورة العمل على معالجة هذه المشاكل وكذلك توجه ولو جزء من الاموال العربية في الخارج إلى التوطن في البلدان العربية وهي الاموال التي تشير التقديرات إلى انها بلغت حوالي تريليون دولار بل ان البعض مثل امين عام الغرف التجارية السعودية يرى ان قيمة هذه الاستثمارات تصل إلى 1400 مليار دولار منها 700 مليار دولار تعود للسعودية وحدها.
التكامل الاقتصادي
كنموذج للتكامل الاقتصادي بين الدول العربية استعرضت الدكتورة اماني الطويل خبيرة العلاقات المصرية السودانية آمال وتحديات التكامل بين مصر والسودان وأشارت إلى ان اللجان العليا المشتركة بين البلدين أدت دوراً مهماً خلال العامين الماضيين في وضع أطر محددة للتعاون المصري السوداني خاصة مجالات التعاون الاقتصادي التي تميزت بوضع آليات محددة للتنفيذ خصوصاً على صعيد التمويل إذ تم تكوين لجنة خاصة لبحث سبل تمويل المشروعات التي يتم الاتفاق عليها الامر الذي ساهم في دفع العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وفي اطار الدورة الثانية للجنة العليا المصرية السودانية المشتركة التي عقدت بالقاهرة عام 2002 وقعت القاهرة والخرطوم خمس اتفاقيات وسبع مذكرات تفاهم وكانت هذه الاتفاقيات في مجال الايدي العاملة والنقل البحري والبري وتجنب الازدواج الضريبي اما مذكرات التفاهم فكان ابرزها في مجال الثورة السمكية والمعلومات والخدمات البيطرية والازمات والكوارث واتسعت آفاق التعاون الاقتصادي المصري السوداني المعلنة في اطار اعمال اللجنة العليا المصرية السودانية المشتركة في دورتها الثالثة التي عقدت في يوليو 2003 في الخرطوم حيث تم التوقيع على 19 مذكرة تفاهم وبرنامج تنفيذي للقانون بين البلدين كان نصيب الجانب الاقتصادي منها خمس مذكرات تفاهم وبرنامجا تنفيذ في مجالات الكهرباء والبنية التحتية والتعاون الصناعي والتبادل التجاري.
واشارت إلى انه اذا كانت هناك آفاق واسعة للتعاون الاقتصادي بين البلدين فإن هناك تحديات ماثلة ولابد من اتخاذ الخطوات اللازمة لمواجهتها وأهمها مستقبل نهر النيل سواء فيها يتعلق بتنمية موارد المياه للنهر أو سبل وأساليب مواجهة فيضانه وقالت إن عملية التعاون او التكامل الاقتصادي بين مصر والسودان تأخذ حجماً إعلامياً أكبر بكثير من حجمها على الارض وذلك لاسباب سياسية واقتصادية ولكن برغم العقبات الماثلة امام التعاون الاقتصادي بين مصر والسودان يبقى الامل معقوداً على حيوية رأس المال الخاص وسعيه للربح في تحقيق خطوات معقولة لإنجاح التعاون الاقتصادي بين مصر والسودان خصوصاً ان منهج التكامل الذي تم الإعلان عنه مع المستويات الرسمية واكبه تحركات في أوساط منظمات العمل المدني قد تسهم في إنقاذ التكامل الحالي بين البلدين من العثرات التي ألمت به في الثمانينيات.
|