Tuesday 13th April,200411520العددالثلاثاء 23 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
مغتابون بلا وجل
عبدالرحمن صالح العشماوي

كثير من المجالس يقتات من لحوم الناس بكل جرأة، حيث ينعقد المجلس على ذلك، به يبدأ وبه ينتهي، وكأن لحوم الناس مائدةٌ شهيَّة لذيذة المذاق.
أميون ومتعلمون، كبار وصغار، دكاترة ومهندسون وأطباء ودُعاةٌ ومشايخ، وطلاب علم، ورجال أعمال يعيشون على مائدة الغيبة بلا وجل، ولا يرون غضاضةً في نهش لحم فلان وفلان ما دام غائباً، وما دام مذاق اللحم البشري في هذه المجالس لذيذاً بسبب بهارات (الشيطان) نعوذ بالله منه، التي تزيِّن القبيح وتحسِّنه.
فلان طويل، والآخر قصير، والثالث ذو مال كثير لا نعلم من أين حصل عليه، والرابع يتصدَّق وينفق في مجالات الخير ولكن الله يعلم بالنّية، والخامس عالم ومثقف ولكنه يريد التظاهر والمصالح الشخصية، والمسؤول الفلاني متكبِّر، والآخر متواضع لكنه لا يهشّ ولا ينشّ، وبنوفلان يجتمعون في استراحة كل شهر ليتظاهروا بمكانتهم وكثرتهم، والكاتب الفلاني يستعرض قلمه كل يوم.. أحاديث وأحاديث، كلُّها تدخل من باب الغيبة الأسود إلى واديها المظلم ولا تخرج منه.
ينسى هؤلاء أن الغيبة معصية من المعاصي المدمِّرة للحسنات، إنها أفتك بحسنات الإنسان من أسلحة الدَّمار الشامل التي غاصت في أرض العراق فلم يطَّلع عليها أحد، إنها فاكهة سيِّئة قبيحة الشكل مُرَّة المذاق، ولكن الشيطان يجعلها شيئاً آخر كعادته في تحسين القبيح وتقبيح الحسن.
في مجلس من المجالس دار الحديث وطار، ونُهشت فيه أعراض الناس نهشاً لا يُحسن مثله إلا الكلاب المسعورة، كان في زاوية من المجلس رجل يحرِّك شفتيه، لا يشارك في شيء مما يدور، وحينما سأله من كان بجواره ماذا يقول بينه وبين نفسه، وبماذا يحرك شفتيه، لم يخبره، ولكنه عرف فيما بعد أنه يحلِّق في أجواء الذكر والتسبيح بعيداً عن مستنقعات الغيبة التي يغوص فيها المغتابون.
إهدارٌ للمجالس، وإضاعة للوقت، وكسب للإثم، وإثارة للضغائن وتأجيج للأحقاد.. هذا بعض ما تنتجه مصانع الغيبة والنميمة التي تسيطر على كثير من مجالسنا.
مغتابون بلا وجل لوحةٌ غير مكتوبة، ولكنها معلَّقة في كثير من المجالس التي ترحل بعيداً عن الخير بسبب صولاتها وجولاتها في أودية الغيبة المعتمدة.
مغتابون بلا وجل، يحكمون على الأشخاص أحكاماً جائرة، وعلى النيَّات والمقاصد رَجْماً بالغيب، واستجابة لوسوسة الشيطان الرَّجيم.
دكتور نال شهادات عالية، ويتمتع بشهرة كبيرة غاص في مجلس من المجالس في مستنقع الغيبة حتى أذنيه أو ما فوق أذنيه بقليل وحينما نصحه ناصح أرغى وأزبد وقال: أنا لا أُلقي بالكلام على عواهنه، ولكنني أقول الحق.
قال ناصحه، حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يحاصرك من كل الجهات، (إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه).
هيَّا - أيها الأحبة - نتعاون لإنقاذ أنفسنا من أوحال الغيبة وسلاحها الفتَّاك.
إشارة:


جمعوا الشمل فإن الخلف عار
واختلال الصف ذلٌ وانكسار


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved