قرأت حديثاً ما فحواه أن جامعة أمريكية مرموقة استحدثت برنامجاً للدراسات العليا في حقل التقنية المتقدمة أطلق عليه اسم (برنامج الاتصالات المتفاعل).. وربما يتبادر إلى الأذهان من أول وهلة أن هذا البرنامج قد تم إلحاقه بأحد أقسام العلوم أو الحاسب أو الهندسة في الجامعة المذكورة.. غير أن الحقيقة تتمثل في أن هذا البرنامج قد تم ربطه بقسم (الفنون المسرحية) وقد عللت الجامعة هذا الإجراء بكون قسم الفنون الجميلة يمثل أفضل وسيلة لتطبيق مضامين هذا البرنامج اجتماعياً من حيث إن الفنون تمثل أهم وسيلة اتصالية مع أفراد المجتمع بمختلف فئاتهم ومشاربهم.
وفي ضوء هذه المعلومة الأكاديمية أقول إن مما استجد تعليمياً في هذه اللحظة التاريخية ما يتمثل في اتجاه العديد من جامعات العالم نحو غربلة وتطوير عملية توزيع الأقسام الأكاديمية فيها وذلك على نحو كفيل بأن يكسر تقليديتها ورتابتها ويخفف ما هنالك من حدود مصطنعة بينها. فالتخصصات الأكاديمية بمختلف مجالاتها ليست إلا روافد تصب في التحليل الأخير في حوض العلم (التطبيقي) الواقع على أرض الواقع الإنساني. ومما يبدو فهذه المستجدة التعليمية تبدو استجابة ملحة لمتطلبات العصر وتداعيات تطوراته التقنية وخلافهما. ومن المعلوم أن من أهم وظائف الجامعة ما يسميه العلماء (التخطي): أي الانتقال من حسن تقديم المعرفة المنقولة إلى إثراء هذه المعرفة بالإضافات الأصيلة المبتكرة, ووظيفة سامية كتلك لن تتأتى بالتأكيد طالما أقيمت الحواجز المصطنعة بين فروع العلم المختلفة.
ختاماً ما الذي يتوجب على جامعاتنا عمله تجاه هذه الظاهرة المستجدة لا سيما في ضوء ما هنالك من انفصال قائم وواضح المعالم بين أقسامها الأكاديمية المختلفة؟... كذلك ما الذي يتوجب عمله تجاه هذه الظاهرة العالمية المستجدة في ظل حقيقة ما هو قائم من جدلية أكاديمية - وظيفية محورها تقليص العلوم الإنسانية والاجتماعية لصالح نظيرها: العلوم الطبيعية ولأسباب وظيفية؟ وأين هو موقع الدراسات البينية والمتقاطعة من ذلك...؟ أما إجابة هذه الأسئلة فمحور مقالة شدو القادمة ان شاء الله.
|