Tuesday 13th April,200411520العددالثلاثاء 23 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الدَّرْس.. القديم.. الجديد الدَّرْس.. القديم.. الجديد
أنور عبد المجيد الجبرتي

الذين يرتكبون الأخطاء، ويدفعون ثمنها، عليهم، على الأقل، الاستفادة منها. وأسوأ الأخطاء ليس، بالضرورة، أعظمها، ولكنها، بالتأكيد، هي الأخطاء التي تذهب هَدَراً، وتبلعها (بالوعة) الزمن، دون أن تسجل رقماً إضافياً، إلى الدروس الحياتية، والتاريخية، في حياة الأمم، وفي حياة الأفراد.
يقولون: إن الذين لا يقرؤون التاريخ أحْرى بأن يعيدوا أخطاءه، ويرتكبوا، جرائمه. ولكن الوقوع في نفس الحفرة التاريخية، أو في حُفرة تاريخية مماثلة، ليس محصوراً فيمن لا يقرؤون التاريخ؛ فهناك قراءٌ كثيرون للتاريخ، لكنهم ينسونه أحيانا، أو يقرؤونه كواجب مدرسي، يُمزقون بَعْدَه الكتابَ، والأسئلة، ويذهبون في إجازة طويلة من التاريخ، أو في سُباتٍ مُرتاح، عميق، لا يستيقظون لقرع الأجراس، أو دقِّ الطّبول.
يكتب (كارل مير) في ال(نيوزويك) الأميركية عن (مصائب السياسات التدخلية) الأميركية، ويجتر تاريخاً أميركياً حديثاً، لا يبدو أن الأميركيين، من أصحاب القرار، أعطوه اهتماماً كافيا، أو أن عاطفة اللحظة وعنفوانها، أو صَدْمة الحدَث وارتجاجاته، قد أفقدت الذاكرة الوطنية شيئاً من حضورها، أو ربما أن الأيديولوجية العمياء لا تكتفي برسْم صورة غير واقعية للمجتمع الدولي وتعقيداته، ولكنها أيضا تؤثر سلبيا في القدرة على استحضار التجربة التاريخية، وفهم دلالاتها.
يقول (مايير): إن الكاتب الصحفي الأميركي الشهير (وولتر ليبمان) كتب مقالاً في عام 1926م يشجب استخدام الولايات المتحدة الأميركية القوة العسكرية، من جانب واحد، لفرض الديموقراطية في (هاييتي) و(نيكاراجوا) وأماكن أخرى في أميركا اللاتينية. ويستمر قائلاً: إن الأميركيين ينسَوْن كيف كان أمراً عادياً أن تتدخل الولايات المتحدة في النطاق الغربي من القارة الأميركية، لتغيير أنظمة الحُكْم، وتحصيل الديون، وفرض القانون والنظام والتبشير بالديموقراطية.
كان الرئيس الأميركي (فرانكلين روزفلت) من أكبر المؤيدين لهذه السياسات الإمبريالية، عندما كان وكيلاً مساعداً للبحرية الأميركية بين عامي 1913 و1920. وكان يفتخر بأنه كتب دُستور (هاييتي) وأن ذلك كان دستوراً جيدا.. ومع ذلك، تعلَّم (روزفلت) سريعاً، وعندما كان مرشحاً للرئاسة، وأصبح رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، أفرز استيعابه الدرس التاريخي سياسةً أميركية مختلفة في ذلك الجزء من العالم ودوليا، وإن كانت النزعة إلى حل المشاكل، وتحقيق المصالح بالقوة العسكرية السافرة، موروثة في السياسة الأميركية الخارجية، تظهر أعراضها بين حين وآخر.
توصل (روزفلت) إلى أن إرسال (المارينز) إلى (نيكاراجوا) لقمع التمرد اليساري، نزل على العلاقات الأميركية - في غرب القارة - كالصقيع. (وقد سمحت هذه السياسة بالشك، وعدم الارتياح لدى هذه الشعوب، لكي تتحول مع الزمن إلى الشعور بالخوف والكراهية).
يقول (روزفلت): (إننا غيورون جداً على سيادتنا. ومن الإنصاف احترام هذا الشعور لدى الشعوب الأخرى). ويقول (مايير): إن أفضل الدساتير لا تعدو أن تكون قطعاً ممزقة من الورق، عندما لا نحترم مبدأ السيادة الوطنية. (وعندما وضع الأميركيون دستور (هاييتي) اخترقوا سيادتها الوطنية، عندما احتفظوا لأنفسهم بصلاحيات تحصيل الضرائب الجمركية، وتقديم النصائح إلى الخزانة الوطنية، وإدارة البوليس والإشراف على المشاريع العامة. وكانت النتيجة شعوراً عاماً بالغضب، وديموقراطية مجهضة، وإحساساً مهينا، بالسّخرة).
تعرف (روزفلت) إلى أن السياسة القائمة على احترام السيادة والتعاون الدولي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدّول وحل المشاكل بالطّرق السلمية، وعدم اللجوء إلى القوة، إلاَّ كحل أخير، تشكل أساساً جيداً، لعالم أكثر سلاماً وأماناً، وتفتح الطريق لولايات متحدة أميركية أكثر احتراما وقبولاً، وقدرة على كسب المواقع، وتحقيق المصالح وضمان الاستقرار.
نبدأ القرن الواحد والعشرين بالسياسات التدخلية العسكرية السافرة، التي بدأ بها القرن العشرون، كأن الولايات المتحدة تريد أن تتعلم التاريخ، والجغرافيا، ومبادئ تطور المجتمعات، من نقطة الصفر.
سندفع جميعاً ثمن هذا الفصل الدراسي، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية. ولكننا نرجو أن يكون التلاميذ نابهين؛ فلا يستغرق استيعاب الدرس القديم الجديد وقتاً طويلاً، أو يتطلب ثمناً باهظاً.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved