منذ فترة وبالتحديد قبل ستة أشهر كنت قد قرأت في صحفنا المحلية عن عزم وزارة الدفاع والطيران على إقامة دوري رياضي متكامل تشترك فيه جميع فئات القوات السعودية الباسلة.. على أن يضم هذا الدوري العديد من الألعاب والمسابقات الرياضية وصدقوني أنني فوجئت بالخبر ليس لأنه سيجد الصعوبة عند التنفيذ.. ولكن لأنه قد يجد بعض الشعور لدى البعض بعدم جدواه وأهميته فينعكس ذلك بالتالي على نتائجه ويأتي مخيباً للآمال هذا من جهة ومن جانب كنت أيضاً أشعر بأنه سيجد بعض المصاعب عند قيامه لا لقلة في الامكانات ولكن لانشغال بعض الكفاءات الرياضية في قواتنا المسلحة لأداء واجباتها، والرياضة بالنسبة لهم تشكل شيئاً ثانوياً في الموضوع.
ووسط مشاعر الفجأة هذه، وعوامل التردد في التفكير كنت انتظر الموعد الذي حدد لإقامة الدوري، وتمضي الأيام سريعة ليكون كل شيء جاهزاً ومعداً قبل بدء الدوري بأيام.
لجان عديدة تشكلت.. وامكانات هائلة وفرت.. وملاعب عديدة جهزت.. ولوائح تنظيمية أعدت..
كل أعضاء اللجان من ضباطنا وجنودنا البواسل صنعوا بجهدهم مفخرة من مفاخر الرياضة في هذا البلد الزاهر.. وكان يحدوهم طموح عجيب ليدللوا على ارتفاع مستوياتهم الرياضية وليعكسوا تطور هذا الجانب في صفوف قواتنا المسلحة الباسلة.
والى جانب هؤلاء رغبت وزارة الدفاع والطيران في الاستعاة ببعض الكفاءات الأخرى من بعض القطاعات الرياضية الأخرى مثل رعاية الشباب في زارة العمل والمعارف فعمل هؤلاء جنباً الى جنب مع اخوانهم من أعضاء اللجان وقد تعاضدوا جميعا بأسلوب يدعو للاعتزاز، ولحسن حظي كنت في الطائف كواحد من العاملين في الدورة هناك ولم أشعر بعامل النفور لأنني اتعامل مع فئة جديدة لأول مرة.. بل كنت أحس احساساً عجيباً يشدني الى العمل بشكل كبير.. اتفاعل مع كل خطوة عسكرية.. وأعيش داخل كيان كل رجل عسكري هناك تتمثل فيه الرجولة والخلق الطيب والتعامل الأمثل.
وكان الفخر يملؤني زهواً واعتزازاً وكل يوم يمضي من أيام الدورة ناجح ورائع في ألعابه ومسابقاته.
ألف رياضي كانوا في الطائف.. فيهم الضباط وفيهم الجندي وفيهم الموظف، فلم يكن الدوري وقفاً على أحد وإنما لكل منسوبي القوات المسلحة وعشر لجان عاملة كانت تعمل بهمة لا تعرف الكلل أو الملل تسير بمناهج وجداول الدوري وتضعها على طريق التنفيذ كأحسن ما يكون التنفيذ وعيون الآلاف ومشاعرهم تشهد وتراقب المستوى المنتظم والمفاجئ في آن واحد.. المنتظم في مواعيده والمفاجئ في مستواه المتطور على غير ما هو مأمول.
كرة القدم هذه اللعبة الشعبية التي سحرت آلاف الرياضيين في شرق الدنيا وغربها شهدت تنافسا مثيراً بين منتخبات المناطق العسكرية وأظهرت عناصر جيدة المستوى يفوق بعضها العناصر الموجودة في الأندية.
وألعاب القوى بخفتها وجمالها كان لها النصيب الأوفر من الاهتمام ولم تكن تخلو من مفاجآت فقد أثبت ابطالنا في الطائف ارتفاع كفاءاتهم وحققوا أرقاماً أجزم أنها وبعد فترة قصيرة من المران والتدريب ستحطم أرقام المملكة في الجري والرمي والوثب والرماية.. هذه الرياضة الشجاعة التي تثبت قوة الرجل العسكري وحذاقته في اصابة الهدف كانت نوعا من أنواع المسابقات هناك، ثم كرة اليد لعبة العنف والشدة أداها العشرات من الرياضيين هناك متفوقون بذلك على أنديتنا التي لم تزاول مثل هذه اللعبة بعد كل هذا فضلا عن كرة السلة والطائرة وتنس الطاولة.
انني لا أبالغ اذا قلت ان نجاح الدوري العسكري في الطائف كان من مظاهرة روعة تنظيمه ودقة مواعيده وجودة مستوياته وهذه المظاهر الثلاثة تركت بصماتها في تاريخ بلادنا الرياضي سنذكرها كل حين.
أسلوب الضبط والربط
أنت عسكري قبل أن تكون رياضياً.. ولخطئك ستجد العقاب هذه العبارة رنت في أذني وقد قالها احد المشرفين من ضباط الدوري للاعب أخطاء في تعامله مع احد حكام مباريات كرة القدم ووقف اللاعب في استعداد دون جدل.. اجل هو عسكري في وجوب تمسكه بأسلوب الضبط والربط..
وهو عسكري قبل أن يكون رياضيا في وجوب طاعته وعدم مخالفة التعليمات.
وآخر.. كان يجلس على المدرج ويصرخ بعبارات لا تصلح للتشجيع المستحق للعبة المشقة.. فوقف بعد استدعائه أمام الضابط وسأله برفق هل أنت عسكري.. وأجاب نعم.. إذا لماذا تخالف أسلوب الضبط والربط والطاعة وصمت لأنه أحس بخطئه الفادح ومضى ليجد جزاءه.
من هذا الجانب كان الدوري العسكري يختلف عن كل دوري يقام بين الأندية المدنية.. الرياضة في الجندية يجب ان تجد اسلوب الضبط والربط مثلما تجده الجندية وعلى هذا المفهوم ارتكز النجاح الذي تحقق للدوري الرياضي العسكري في مدينة الطائف.
يومان زاهيان
اليوم الأول.. هو يوم الافتتاح والذي رعاه وزير الدفاع والطيران الأمير النشط سلطان بن عبدالعزيز.
واليوم الثاني.. هو يوم الاختتام والذي شرفه القائد الأعلى للقوات المسلحة والرجل الذي يقف خلف عجلة التطور لبلادنا الناهضة الفيصل الحبيب.
يومان زاهيان حقا تجسدت فيهما معاني الحب والوفاء التي تجمع بين القادة وأبنائهم فقد كان يوما رائعاً حينما التقى الفيصل مع ابنائه من منسوبي الجيش في حقلهم الرياضي الكبير، كان يوما خالدا دلل على مدى الحب الذي يشعر به القائد الملهم تجاه أبنائه.. وعكس مدى الولاء والوفاء والاخلاص الذي يكنه افراد القوات المسلحة لقائدهم الأعلى كما كان يوم الافتتاح رائعاً حينما التقى سلطان بن عبدالعزيز بضباطه وجنوده وطلابه محييا فيهم روح العمل المخلص وعزيمة العطاء في خطواتهم الرياضية الجديدة.. أجزم تماماً ان القلوب التي شاركت في حفل الافتتاح وحفل الختام كانت تخفق حبا زهوا وفخرا وكانت نبضاتها صادقة معبرة عن الشعور الوفي لمدى الاهتمام والعناية التي تجدها القوات المسلحة من حكومتنا الرشيدة ليس فقط في المجال العسكري بل وايضا في المجال الرياضي.
الطاقات العاملة من خلف النجاح
اذا كان دوري الجيش في الطائف يقام ثالث مرة في تاريخه فإنه حقق نجاحاً باهراً أكثر مما تحقق له في السابق ولا نشك ان هناك بعض الطاقات العاملة كانت تقف باخلاص خلف هذا النجاح يأتي في مقدمتهم وزير الدفاع والطيران والمفتش العام سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز الذي سهل كل الامكانات في سبيل قيام الدوري ونجاحه ونائبه سمو الأمير تركي بن عبدالعزيز بمتابعته واهتمامه بخطوات العمل والفريق حمد الشميمري رئيس هيئة أركان حرب الجيش بالنيابة بتشجيعه للعاملين واستحثاثه لكل الطاقات العاملة بمزيد من العمل والحيوية والمتابعة الدائمة.
وهناك في الطائف أذكر ثلاثة من الرجال اشهد لهم بكثير من الاعتزاز والشكر على جهدهم الكبير حيث ظلوا في مواصلة العمل دون ملل طيلة فترة الدوري، وكنت اخشى عليهم من جراء الارهاق المتواصل فلم يهنؤوا بالراحة مثل غيرهم، تجدهم في الملاعب في الصباح وفي العصر وفي المساء يراقبون سير النشاط الرياضي ويشهدون جميع المباريات لتسير بالشكل المطلوب تنظيماً وخلقاً وسلوكاً هؤلاء الثلاثة الذين أعنيهم هم الزعيم محمد أمين روزي مدير عام الدوري والزعيم سالم بن كاس عضو اللجنة التنفيذية ووكيل قائد عبدالرحمن العلكمي رئيس اللجنة الفنية والى جانبهم كان هناك طاقات مخلصة عاملة ساعدت على تحقيق النجاح الكبير.
وفي الرياض هنا كانت خطوات المتابعة والتخطيط والتوجيه من إدارة الشؤون العامة بوزارة الدفاع والطيران يحدوها أمل كبير في نجاح ذلك الدوري وظلت هذه الخطوات تتابع العمل حتى في مدينة الطائف مؤكدة اخلاصها وتفانيها واعني بهؤلاء الرجال وكيل قائد عقيل بن ضيف الله القويعي والرئيس محمد الزير وأنا اذ اذكر كل هذه الاسماء لاعطيها حقها من الشكر المستحق كواحد عشت وقائع الدوري طيلة أيامه.
وماذا بعد؟
ارجو ان أكون قد اعطيت لمحات صادقة ومذكرات وثيقة لما جرى في مدينة الطائف خلال أيام الدوري الثالث للقوات السعودية الباسلة.. مؤكداً اعجابي بكل ما حققه ذلك الدوري من نجاح ومحييا كل رياضي شهد وشارك تلك الأيام.
|