حينما كنت أقلب صفحات الجزيرة لفت نظري وشد انتباهي خبر سار نشر في الصفحة الأخيرة ويحوي بين ثناياه املاً مفرحاً في القضاء أو محاولة الحد من ظاهرة مقيتة مميتة.. وهي ظاهرة التفحيط.. فكان الخبر (تم ضبط 140 مخالفاً من الشباب في حملة واسعة على التفحيط ببريدة). ولعل هذا كان نتاجاً للاجتماع الذي عقده مدير شرطة منطقة القصيم اللواء خالد الطيب مع المسؤولين في هذا المجال من اجل الحد من انتشار هذه الظاهرة والقضاء عليها.. ولعلي أن أقف حيال هذا الخبر بكل شفافية ووضوح لعل ما أسطره هنا يصل الى المسؤولين.
فأقول: استبشرت حقيقة حينما قرأت هذا الخبر.. الذي ننشد من خلاله تقلص هذه الظاهرة وهذا السلوك المنحرف الذي راح ضحيته العشرات من الابرياء.. فكم استهتر هؤلاء المتهورون بأرواح البشر بعبثهم الجنوني، وتفننهم بألوان من المخاطرات والمغامرات الطائشة.. ولا ينكر اي منصف جهود التربويين والخطباء والكتاب عبر منابرهم في دراسة هذا السلوك المتهور والبحث عن سبل علاجه.. ومناقشة اسبابه.
ولكنني سأطرح أسباباً حساسة تسهم بصفة فعلية في انتشار هذه الظاهرة واستفحالها لدى الشباب.
فمنها عدم جدوى الأنظمة واللوائح المقررة في عقوبة التفحيط، علاوة على عدم تفعيلها اصلا..!! فحسب الأنظمة المعتمدة عقوبة المفحط في المرة الاولى التوقيف 5 أيام مع حجز السيارة شهرا.. والمرة الثانية توقيفه 10 أيام مع حجز السيارة شهرين.. وفي المرة الثالثة تحجز السيارة ويربط المخالف بالكفالة..!!!
هذه هي عقوبة المفحط.. والذي نراه ونشاهده أن الذين يقومون بالتفحيط وترويع المواطنين لن يردعهم توقيف خمسة او عشرة ايام..!! ولن يبالوا بغرامة او تحرير مخالفة (لأنه سيقوم بتسديدها عنهم الاب الغافل او المغفل مع الأسف!).. حتى ان بعض هؤلاء الآباء حينما تمكن من اخراج ابنه من التوقيف وعجز عن اخراج السيارة.. اشترى لابنه سيارة اخرى واعطاه كامل الحرية بها والتصرف..!! فهل أجدت الغرامة؟!
ولكن المؤمل أن يكون توقيف المستهترين بحياة البشر لا يقل عن شهر او شهرين او يزيد على حسب تكرار المخالفة.. ثم اثناء التوقيف لا نريد زجهم في السجن فقط.. ليتعرفوا على اساليب اخرى من فنون هذه المخاطرات الطائشة..!! او يخرجوا بلا نتيجة ولا وعي.. ثم يعاودوا طريقهم وكأن شيئا لم يكن!! بل الواجب التنسيق مع الجهات التربوية المؤثرة وعقد دورات توعوية طيلة فترة توقيفهم وتذكيرهم بالآثار السلبية.. والأنفس البريئة التي راحت ضحية هذا التهور.. ويكون ذلك بأسلوب مدروس ومؤثر.. ولا مانع من الاستعانة بمن اشتهروا في التفحيط ثم منَّ الله عليهم بالهداية.. فهو ابلغ في التأثير، ولا شك أننا سنخرج بنتيجة ايجابية بإذن الله.
الوقفة الاخرى أننا قد ابتلينا بداء عضال له الاسهام الكبير في سبب تفشي هذه الظاهرة.. ولعلنا نقف امام صورة متكررة، وهي ان غالبية المفحطين مع الأسف ممن هم رأس في التفحيط وسبب في كثير من التجمعات الشبابية لهذا الغرض اذا تم ايقافه بتهمة التفحيط يدخل من باب ويخرج من الباب الآخر، وذلك بفعل التدخلات الخارجية والوساطات والشفاعات!! وهذا لا شك انه سبب فاعل في عدم ارتداع الآخرين.. بل سيشجعهم على ذلك بلا ريب!.. فهل سنكون بهذا العمل قد أدينا الأمانة وعدلنا؟! أم خناها وظلمنا؟! حتى اصبحت ظاهرة عند بعض المراهقين.. فحين يوقف احد المفحطين، يقولون: سيخرجه بلا شك ابوه او اخوه المسؤول الفلاني!! وهو ما يتحقق فعلا مع بالغ الأسف.
فلماذا نؤكد دائما على الالتزام بالأنظمة واللوائح واحترامها وتطبيقها.. ثم نحاول عبثاً ان نغض الطرف حينما نعلم ان ذاك المفحط قد اخرجه قريبه المسؤول او الضابط الفلاني؟!
نريد فعلاً وقفة صارمة من المسؤولين امام اي شفاعات سلبية تحاول فتح المجال لمن يهدد حياتنا وطرقاتنا.. فلقد مللنا من قراءة الاخبار المؤسفة.. فهذا مفحط دهس خمسة اطفال كانوا خارجين من مدارسهم.. وذلك تسبب في وفاة طالبتين.. واصابة خمس آخريات بإصابات خطيرة بعضها لدرجة الاعاقة.. حينما كان يفحط أثناء خروجهن من المدرسة!! وبعض المواطنين يقررون بيع منازلهم الواقعة على شوارع اتخذت لللتفحيط.. لعدم اطمئنانهم على ارواحهم وارواح اطفالهم!! او غير ذلك من الاحداث المؤسفة المتكررة.
واخيراً.. نذكر الجميع بأننا كلنا مسؤولون تجاه هذه الظاهرة.. فالأب مسؤول عن ابنه المراهق حينما يوفر له السيارة دون وعي او ادراك لمخاطرها او سوء استخدامها.. والاعلام مسوؤل ايضا في تكثيف الحملات التوعوية المؤثرة.. والشرطة بأجهزتها تُعلق عليها الآمال الأخيرة بعد الله في ردع هؤلاء.. ودراسة انظمة صارمة تحد من تفشي هذه الظاهرة.. وتفعيلها ومحاسبة مَن يقصر في ذلك.. نسأل الله ان يهدي شبابنا ليكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر.
عبدالعزيز بن عبدالله السعدون
بريدة
|