Monday 12th April,200411519العددالأثنين 22 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ذكرياتي مع صديق ودٍّ ذكرياتي مع صديق ودٍّ
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف/حريملاء - أحد زملائه

إنه الزميل الحبيب الراحل الشيخ عبدالله بن محمد الزاحم الذي لاقى وجه ربه في 3-11-1423هـ بالمدينة المنورة، وقد أحزنني فراقه وغيابه أبدياً بعد صحبة وطول عشرة، وقد ارتوى من مناهل العلم على أيدي علمائنا الأفاضل..، وعلى نخبة من فطاحل علماء الأزهر..، وقد تخرج في كلية الشريعة بالرياض عام 1378هـ، ثم عين قاضيا في مدينة حائل عام 1379هـ مع تكليفه بالقيام بعمل موجه قضائي في بعض المناطق عندما تدعو الحاجة لحضوره..، لما يتمتع به من حنكة ودراية.. ثم انتقل إلى المدينة المنورة قاضيا ثم رئيسا للمحاكم الشرعية بها وإماما للمسجد النبوي حتى أقعده المرض..، ولي معه ذكريات جميلة:
ففي غرة عام 1373هـ سعدت بالتعرف على مجموعة خيِّرة من الزملاء طلاب المعهد العلمي بالرياض بعد انتقالي من دار التوحيد الثانوية بالطائف إلى المعهد، وكان من ضمن تلك النخبة الكريمة فضيلة الشيخ عبدالله الذي عرف بالرزانة ورجاحة العقل وبعد النظر، فأخذ البعض منا يقترب من الآخر شيئا فشيئاً حتى نمت تلك الصداقة وقويت أواصر المحبة بيننا, فبدأنا في استذكار الدروس معا في المساجد بحي الوسيطا ومحلة جبرة الواقعة في جنوبي شرقي دخنة بالرياض نقضي بها الليالي والسويعات الطوال في استذكار دروسنا في جو تحفه أجنحة البشر والمسرات، والتنافس في التحصيل العلمي..، وقد اخترنا المذاكرة في تلك المساجد المتاخمة لمساكننا لوجود إضاءة الكهرباء بها ولعدم توفرها في كل المنازل آنذاك، ونحن في المرحلة الثانوية، ثم واصلنا الدراسة العليا، اتجه الشيخ لكلية الشريعة وانا صوب كلية اللغة العربية حتى عام 1378هـ وحمدنا الله على تخطي تلك المراحل الدراسية بكل جد ونشاط.. وكان من حرصنا على حفظ الوقت واستثماره وخاصة قرب الاختبارات ننام مبكرين ونستيقظ قبل الفجر بساعتين تقريبا، فأمرُّ على الشيخ عبدالله وعلى الشيخ عبدالله بن فنتوخ في البيت المعد لسكن الطلاب المغتربين الذي أمر به جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - ضمن عدد كبير من البيوت لطلاب العلم..، وقد هيآ الشاي والزنجبيل لتنشيطنا، ثم نذهب سويا إلى المسجد لاستذكار الدروس حتى بعد صلاة الفجر، وهكذا أمضينا تلك السويعات والأيام السعيدة بترتيب ونشاط مستمر, ولم يبق منها الآن سوى رنين الذكريات في خواطرنا.. وكان - رحمه الله - شغوفاً بحب القراءة والاطلاع على الكتب المفيدة ويعتبرها رافداً قويا للمناهج الدراسية، وتوسعة لآفاق المعرفة والثقافة العامة.. واذكر انه كان يستعير مني بعض الكتب النفيسة مثل سلسلة كتاب (الحديقة) جمع وترتيب محب الدين الخطيب 1-13ثم يعيدها مغلفة حرصا منه على سلامتها..،وما زالت تلك الأغلفة رغم تقادم عهدها محيطة بجوانب الكتب النادرة المنتقاة من مصادر عدة.. وكان حريصا على الاستفادة من وقته فهو أحيانا يبقى داخل الفصل في الفسح الطويلة يطيل التأمل في الشرح السابق للحصص، ويحاول رصد بعض العبارات المفيدة التي تفوه المعلم بها خارج إطار الكتاب المقرر ليثري بها حصيلته العلمية, وليستفيد منها في قابل أيامه.. وقد وعى قول ابن هبيرة حيث يقول:


والوقت أنفس ما عنيت بحفظه
وأراه أسهل ما عليك يضيعُ

متناسيا قول المتنبي الذي يحث على إرخاء العنان للنفس لتأخذ حظها من المرح ومن مآربها المباحة حيث يقول:


ذر النفس تأخذ وسعها قبل بينها
فمفترق جاران داراهما العُمرُ!

فطابعه - رحمه الله - الجد والغيرة على الدين، ومن سماته قلة الحديث وإطالة السكوت وإعراضه عن فضول الكلام إلا ما يراه مفيداً! ومناسباً لمقتضى الحال، وكان بيننا وبينه زيارات متبادلة على فترات متباعدة.. وتواصلاً عبر الهاتف بين حين, وآخر قبل رحيله، وسيكون التواصل والترابط بيننا وبين أبنائه البررة مستمرا مدى العمر:


نبادله الصداقة ما حيينا
وإن متنا سنورثها البنين

ولإن غاب أبو محمد وأخفته التُّرب فإن ذكره العطر سيبقى ماثلاً في خاطري مدى الحياة ، ولله قول البهاء زهير حيث يقول:


يُواجهني في كل وقت خياله
كما كنت القاه قديماً ويلقاني

رحمه الله رحمة واسعة وألهم ذويه الصبر والسلوان وأسبغ عليه شآبيب رحمته.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved